من يسمع هذه اللهجة لأول مرة ، يشعر للوهلة الأولى ، وكأنّه أمام لغة غريبة ، من الصعب فهمها ، لما تحتويه من كلمات عربية قديمة لم يعد أغلبها موجوداً إلا في بطون كتب التاريخ ، وقواميس اللغة العربية إضافة إلى الكم القليل من الألفاظ االأخرى الذي تسلل إليها من اللغات الأخرى كالتركية ، والكردية ، والسريانية وذلك بحكم مجاورتها لأهل هذه اللغات ، حتى جعلت السير مارك سايكس يقول : "ويتكلم المحلميون لغة عربية غريبة " ، ولكن مع هذا بقوا محافظين عليها ، وعلى نسبة كبيرة من فصاحتها ، مثل أدوات الاستفهام هذه : منْ ، أيْن ، كيف ، وإذا استفهموا عن شيء ، أو شخص ، وأرادوا أن يعرفوا من هو فيقولون له : "منْ انتْ " ويلفظونها متصلة "مننتْ" أما إذا أرادوا أن يستفهموا عن نكرة فيقولون : "مني" بدلاً مِن "من" وهذه كانت في لغة أهل الحجاز أيضا كما ذكر الرافعي ، ويقولون لمن يستفسرون عن حاله وصحته : "كيف انت" ، وإذا ما تأخر شخص ما ، وأرادوا معرفة سبب تأخره ، فيسألونه : "أينْ كنت " ، ويستعملون الضمة فوق تاء الفاعل مثل : قلتُ ، أكلتُ ، ويستعملون الضمة المرفوعة على الضمير فقط ، ويحذفون الضمير ، أو يلفظون الضمة ، ويمدوها ، ويقصرون الهاء مثل بيتُه ، يلفظونها بيْتو ، و يستعملون الكسرة في آخر كاف الخطاب المؤنثة مثل : لكِ ، أرضكِ ، عمتكِ ، ويسكنون كاف الخطاب إذا كانت للمذكر مثل : لكْ ، أرضكْ ، ويضعون السكون فوق الياء كما في بيْت ، زيْت ، ويكسرون لام الجر أحياناً مع الظاهر ، ويسكنون الضمير ، ويضمون اللام والضمير معاً أحياناً أخرى فيقولون : "اشتري لِكْ ولُهُ" ، ويسكنون المتحرك استخفافاً ، أو إذا تناسبت الضمتان ، أو الكسرتان فيقولون في : فَخِذ ، فَخْذ وفي كَتِف ، كتْف ، وفي عُنُق ، عُنْق ، ويختصرون هكذا إلى هاك ، ويمدون الضمة الموجودة فوق الهاء في كلمة "هُناك" حتى تقرب لفظا من الواو ، وتلفظ هَوْناَك ، وأحياناً هَوْنك ، ويستعملون حرف التحقيق (قد ) ، ويلفظونه " كت " ، ويكون في الغالب من ضمن جواب على سؤال مثل : "أينْ وي فلان" وكلمة "وي" هي اختصارا للضمير "هوّي" بالعامية الشامية ) ، الجواب : كت راح ، كت نام ، ويستعملون حرف النون في آخر الفعل المضارع عندما يكون من الأفعال الخمسة مثل : ينامون ، يلعبون ، ويستعملون ألفاظاً عربية قديمة ، وأفعالاً مثل: يرى ، يستخبر ، يحزق ، يهتك ، يزعق ، يتروَح ، يشقع ، ومن هذه الألفاظ ما يستعمل بعدة معاني مثل "يشقع"، فيقولون : شقعه أي ضربه بيده ، أو رماه بحجر ، أو أصابه بالعين ، فيقولون عمن يصيب بالعين "عيْنُه تشقع" ، أي تصيب وتقول العرب : " شقعه بعينه ولقعه " ، ويستعملون لفظة " تروّح " أي استراح ، وهي لفظة قديمة أيضا قلَّ من يستعملها اليوم غيرهم ، وقال أبو محنف في خروج صالح بن مسرح - من الخوارج - في دارا : " فحدثني المحلمي فقال : .... فلمّا أمسوا رجعوا إلى عسكرهم ورجعنا إلى عسكرنا فصلينا وتروّحنا وأكلنا من الكسر" 1
ويستعملونها أيضا جوابا لسؤال كيف انت ؟ فيجيب : "أنا متروح" أي بصحة جيدة ، ويقال لمن شفي من مرضه "تروَح" ، وقال المسعودي في مروج الذهب : من أنَّ غذاء الطبيعة من أنفع أدويتها ويتروّح العليل بنسيم أرضه كما تنبت الحبة ببلل الأرض. . ويستعملون أيضاً أفعالاً مثل : يسبي ، يحزق ، يحشك ، يسري أي يمشي بحركة خفيفة ، ويتحرك ليلاً واستعملت هذه اللفظة في كلامهم ، وقصائدهم ، ونقرأها هنا على لسان فتاة توقظ أمها ليلا وهي نائمة فتقول لها :
أمي قومي تفرجي ماما قومي من النوْم
ماما قومي تفرجي الغزلان سري يسروْن
يسروْن سَرية خفيفة أغراب ومسكنن مَوْ هوْن .
وقال المبرد في الكامل : ( والسري لا يكون إلا سير الليل، قال الله عز وجل:" فأسر بأهلك" (الحجر56) من قولك أسريت، وهي اللغة القرشية، وغيرهم من العرب يقول سريت، (بدون ألف ) 2
ويقولون عن النجمة أو الكوكب إذا مشى : سار ، والمعروف عن الكواكب أنها سيارة فقالوا هنا :
يا نجمة الصبح سيري مع القمر سيري
سلمي على أمي وأبوي وكل من أريتي لي (رأيتِ لي ) .
وأما فعل يحشك فيستعملونه بمعنى يعبئ ، مثل يحشك القطن ، أو الصوف في المخدَة ، أو الفراش و الحَشاكُ: بالفتح والتشديد وآخره كاف ، وهو من حَشكت الدرة تحشِكُ حشكاَ بالتسكين وحشوكاَ إذا امتلأتْ ، وهذا فَعال منه لاجتماع المياه فيه ، وهو واد أو نهر بأرض الجزيرة بين دجلة والفرات يأخذ من الهرماس ( ومخرج الهرماس من طور عبدين ويصب في الخابور ) وذكر ياقوت : "والحشاك من مياه نهر الهرماس ، وهو نهر نصيبين ، ويمر بالحضر مدينة الساطرون ، ثم يصب في دجلة أسفل تكريت إلى نهر نصيبين ويصب في دجلة ، ويسمى الحشاك ،ويقولون احزق ، أي شدّ ، وقال أبو الفرج في الأغاني : " ثم التفتُ إلى حنين ، وعوده في حجرهِ ، وعليه قباء خشك شويْ ، وخفان مكعبان، فسلم عليّ؛ فقلتُ له: كيف أنت أبا كعب، فقال: بخير أبا عمرو؛ فقلت: احزق الزير ، وأعرخ البم ففعل؛ وضرب فأجاد 3.
ويقولون عن من تعب كثيرا "انطرح من تعبه " ولمن يرتجف من البرد "قفل من برده" أي يبس ، وقَفَل الجلد يَقْفُل قُفُولاً ، وقَفِل، فهو قافِل وقفِيل: يَبِس ، والقَفْل، بالفتح: ما يَبِس من الشجر؛ 4.
ويستعملون كلمات مثل "حقا و سقطْ " في حالات مختلفة ، فتستعمل كلمة "حقا " إذا تمنوا ما سمعوه أن يكون حقيقة ، وتأتي على صيغة سؤال واستفهام فيقولون : حقا صرت مدير ؟ أي نتمنى أن يكون الأمر كذلك ، أما إذا تمنوا العكس أو سمعوا خبراً لا يعجبهم ، فيستعملون كلمة " سقط " بدلاً من حقا مثلاً :سقط ساقك انكسرت ؟ أي نتمنى أن يكون الكلام الذي سمعناه سقطاً ، أي غير صحيح ، وتقول العرب : سقط في كلامه وبكلامه سقوطا، إذا أخطأ، وكذلك أسقط في كلامه .
ويستعملون ألفاظاً في كلامهم باتت غريبة على آذان من يسمعوها في وقتنا هذا مثل كلمة قطْ ، بمعنى أبداً ، فيقولون : "ما اريْتوهُ قط " ، أي ما رأيتُهُ قط ، وعندما ينتهون من أكل أو شرب يقدم لهم من باب الضيافة ، فيقولون : "دايمة قًطْ وقطْ " ، وإذا أرادوا مقاطعة شخص ما ، فيقولون لبعضهم : "لا تنادمُوهُ" وينادم كلمة عربية تعني يجالسه ويشرب معه ولكن هنا تستعمل للمجالسة والتحدث فقط .
وأما كلمة مغبون فتأتي من الغبن فيقال : غَبَنْتُهُ بالبيع بالفتح، أي خدعته، وقد غُبِنَ فهو مَغْبونٌ: أي أَن يَغْبِنَ القومُ بعضهم بعضاً .
ويستعملون كلمة حسوة وهي أَن يَحْسُوَ حَسْوةً من اللبن ، أو المرقة ، ويقول ابن منظور : يَتَمَجَّعُ ، وهو أَن يَحْسُوَ حَسْوةً من اللبن ويَلْقَمَ عليها تَمْرةً 5.
ويسمون الثلج هبْوة ، وعندما تثلج السماء يقولون : "هبت" ، وعندما يهاجمهم البق أو الغبار يقولون : " هَبْت علينا الغبرة ، وهبا علينا البق " وقال ذي الرَمَّة :
وزُرقٍ كَستْهُنَّ الأسِنَّةُ هَبْـوةً **** أرقَ من الماءِ الزُلالِ كَليلُها . 6
ويعاقبون أحياناً بين الواو والياء ، فيجعلون أحداها مكان الأخرى ، فيقولون في يليق ، يلوق وفي يعدو ، يعدي ، وفي حالة الأمر يستعملونها كما هي فيقولون "اعدي عدو" ، أي اعدي عدواً .
ويعاقبون أيضاً بين الفاء والثاء مثل "فم" يلفظونها "ثم" وبين الذال والهاء مثل "ذاك" تلفظ "هاك" .
ويستعملون التقديم والتأخير أحياناً ، فيقدمون حرفا ويؤخرون آخركما في ، ملعقة ،عصفور، رأيتُ فيلفظونها معلقة ، عفصور ، أريتُ ، ويميّلون الألف فتصبح قريبة من الياء مثل : واحد ، فيلفظونها ويحد ، وغربال يلفظونها غربيل ، ويميلونها أيضاً في حالة الجمع مثل : تنانير ، ذئاب ، ناس فيلفظونها تنينير ، ذييب . نيس ، وهذه الحالة تعرف بالإمالة أو التضجيع وكانت بعض القبائل العربية تستعملها ، ولكن ليست عامتها كما ذكر لنا الدكتور شوقي ضيف بقوله : " إعلم أنه ليس كل من أمال الألفات ، وافق غيره من العرب ممن يميل".
ويطلقون على الخادم ، أو الولد "غلام" ، والجمع غلمان .
ويسمون السحاب الممطرة " درّوة " فيقولون : جت دروة سوْدا ( أي مزنه سوداء )، وقال ابن منظور : والدِّرَّةُ في الأَمطار: أَن يتبع بعضها بعضاً ، وجمعها دِرَرٌ ، و دَرَّت السماء بالمطر دَرّاً ، ودُرُوراً إِذا كثر مطرها؛ وسماء مِدْرَارٌ ، وسحابة مِدْرَارٌ ، وللسحاب دِرَّةٌ أَي صَبٌّ، والجمع دِرَرٌ؛. 7
ويسمون شوربة العدس مخلوطة ، وأحيانا مشوشة وللاسمين معنى واحداً فيُقال : تشوش عليه الأمر و اختلط .
ويطلقون على الشيء المجموع شقلة فيقولون : شقلة بقدونس ، أو ريحان أي الكثير منها حتى يثقل وزنه ، وعلى من يحمل شيئا ثقيلا يقولون : " تشَّقله " أي حمله بوزنه الثقيل ويقول الزبيدي ويُقالُ: عِنْدَهُ دَرَاهِمُ شَقْلَةٌ، وشَقْلَةٌ مِنْ دَرَاهِمَ، لِكَثِيرَةٍ مِنْها8.
وينادون للجد ( سيْدي وجدي ) و للجدة (ميْمتي ) ويقولون عن الصهر ختن ويطلقونها على صهرهم المتزوج فيهم ولا يستعملون غيرها.
ويقول ابن منظور في لسان العرب : " أَن خَتَنَ القوم صِهْرُهم والمتزوِّج فيهم أَصهار الخَتَن ِويقال لأَهل بيتِ الخَتَنِ الأَخْتَانُ، ولأَهل بيت المرأَة أَصهارٌ، ومن العرب من يجعلهم كلَّهم أَصْهاراً"
فقال ابن العبري : دخل على الوليد بن عبد الملك أعرابي فمتَّ (توسل) إليه بصهر له.فقال له الوليد: من ختنَك بفتح النون (بفتح النون يصبح المعنى من طهّرك ) ، فقال الإعرابي : بعض الأطباء ، فقال سليمان (أخو الوليد): إنما يريد أمير المؤمنين منْ ختنُك ، وضم النون ( وبضم النون يصبح من صهرك ). فقال الأعرابي: نعم فلان ، وذكر ختنه ، وعاتبه أبوه عبد الملك على ذلك ، وقال له : لا يلي العرب إلا من يحسن كلامهم 9.
ويقولون عن البطن جوف ، وكانت العرب تستعمل لفظة جوف أكثر من بطن ، وقال ابن العبري : عمدت حسنة جارية المهدي إلى كمثرى فأهدته إلى جارية أخرى كان المهدي يتحظاها ، وسمَّت منه كمثراة هي أحسن الكمثرى ، فاجتاز الخادم بالمهدي ، وكان يعجبه الكمثرى ، فأخذ تلك الكمثراة المسمومة فأكلها ، فلما وصلت إلى جوفه صاح: "جوفي جوفي" فسمعت حسنة بموته فجاءت تبكي ، وتلطم وجهها وتقول : أردت أن أنفرد بك فقتلتك 10 .
وإذا طلب احدهم من الآخر أن يذهب ويعود مسرعاً ، فيقول له : "روح وتعا خفيف وزخم" أي اعطي لحركتك خفة ، ودفعاً ويقول ابن منظور : وزَخَمَه يَزْخَمُهُ زَخْماً: دفعه دفعاً شديداً 11.
ويستبدلون الميم في آخر جمع المذكر إلى نون للتخفيف مثل : أنتم و لعبتم يلفظونها انتن ولعبتن .
وهناك كثير من الأمراض مازالوا يسمونها بأسمائها القديمة مثل : الفتاق عندهم قيلة ، والخراج الجلدي ، قوبا ، والرائحة الكريهة المتعفنة خمّة ، وهناك بعض الألفاظ اختص بها : عرب الراشدية ، والمخاشنية ، والمنيزل الذين يعيشون في المنطقة القريبة من الصور وهي :إستعمالهم لحرف الباء بدلاً من الألف في الفعل المضارع مثل : اروح و يروح ، يلفظونها بروح ، بيروح ، وهذه الباء يستعملها عرب الخليج ايضا ،ويقلب هؤلاء العرب الهمزة إلى قاف مثل كلمة سؤال يلفظونها سقال (ويلفظها البدو سعال ).
وهناك خلاف بسيط في اللهجة بين محلمية الصور و محلمية مديات لا يشعر به إلا هم ، وهذا الاختلاف يكمن في اللكنة ، وحركات الكلام ، والتسكين ، ولكن أكثر الألفاظ هي ذاتها وإن وجدت اختلافات فهي قليلة .
واستعملوا أيضا بعض الألفاظ كانوا قد استنبطوها من الأصوات التي تصدر عنها مثل فعل : فر الدفتر ، أي ارمه ، وجاء هذا الفعل من الصوت الذي يصدره الدفتر عندما يرمى به مثلما يقولون للطير إذا طار "فر الطير" وهنا الفعل جاء من الصوت الذي يصدره الطير عندما يطير وهي من الفصحى ( وهنا تكون الفاء منقوطة بواحدة ، وفي الأولى تكون منقوطة بثلاث ) ،
وهناك كلمات مثل " جفجق المي " (الجفجقة هي الصوت الذي يصدره الماء عندما يتحرك ويرتطم بالوعاء أو يسقط على الأرض) ، "جرَ" الورق أو القماش ، وهو الصوت الذي يصدر عن تمزيق القماش أو الورق ، أو"برجق" العلبة برجله أي دهسها ( و الجيم في هذه الأفعال منقوطة بثلاث ) ، وهكذا يكونون قد استطاعوا أن يضيفوا للهجتهم ألفاظا غير موجودة في قواميس اللهجات الأخرى ، حتى وان كانت ركيكة ، واللغة العربية كما هو معلوم لم تتحول من فصحى إلى عامية بشكل مفاجئ بل تحولت بشكل تدريجي ، وهذا ما نلحظه هنا في هذه القصيدة التي قيلت قبل أكثر من أربعمائة وخمسين عام ، للشيخ أبي سهيل بطي الفلاسي ، وكان منهم منصور بن جمهور ، الذي بايع الضحاك بن قيس المحلمي عندما حاصر عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بواسط ، وقال فيها :
انأ بني جبله بن أحمد عصبـه والجد من ياس ابـن الاعلمـي
أهل الجيـاد المكعتيـة والجنـا وبيارق الظفر العزيـز الاقدمـي
وحنا ضهدنـا الازد بعماناتهـم وطئ وعبد قيـس وآل محلمـي
ومنا آل منصور بن جمهور الذي قـاد الجمـوع بأدلـم يتقدمـي
وفي هذه الأبيات نلاحظ أن العربية الفصحى التي كانت شائعة عند العرب ، كانت قد عبرت منتصف الطريق باتجاه ما بات يعرف اليوم باللهجات العامية ، وهذا ما أشار إليه الأستاذ خير الدين الزركلي بقوله : "فليس من الخطأ في شيء أن يقول قائل : أن عرب الجاهلية وصدر الإسلام ، وما بعد هذين العصرين اللذين أينعت فيهما ثمار الأدب ، والشعر ، وأتت قرائح أبنائهما بالمعجب و المطرب ، لم يبرحوا يراهم من يرى عرب هذا الجيل في الكثير من عاداتهم أو أخلاقهم وآدابهم إلا ما فقدوه وهو الخسارة الكبرى أعني ( الأعراب ) في لغتهم " 12 .
________________________________________________
1- تاريخ الطبري -ج 6 ص6215،226
2- المبرد - الكامل في الأدب ج1 ص 93
3- علي الأصفهاني - الأغاني ج2 ص 341،358
4- ابن منظور لسان العرب - مادة قفل
5- لسان العرب - مادة مجع
6- محمود بن عمر الزمخشري - أساس البلاغة ص 693 ، 694 مادة هاء
7- لسان العرب - مادة درر
8- تاج العروس مادة شقل
9- ابن العبري - تاريخ مختصر الدولص113
10- المرجع نفسه - ص127
11- لسان العرب -مادة زخم
12- أحمد وصفي زكريا - عشائر الشام ص203
منقول من كتاب عرب طور عبدين
عبد القادر عثمان
ملاحظة: الموضوع منقول
ويستعملونها أيضا جوابا لسؤال كيف انت ؟ فيجيب : "أنا متروح" أي بصحة جيدة ، ويقال لمن شفي من مرضه "تروَح" ، وقال المسعودي في مروج الذهب : من أنَّ غذاء الطبيعة من أنفع أدويتها ويتروّح العليل بنسيم أرضه كما تنبت الحبة ببلل الأرض. . ويستعملون أيضاً أفعالاً مثل : يسبي ، يحزق ، يحشك ، يسري أي يمشي بحركة خفيفة ، ويتحرك ليلاً واستعملت هذه اللفظة في كلامهم ، وقصائدهم ، ونقرأها هنا على لسان فتاة توقظ أمها ليلا وهي نائمة فتقول لها :
أمي قومي تفرجي ماما قومي من النوْم
ماما قومي تفرجي الغزلان سري يسروْن
يسروْن سَرية خفيفة أغراب ومسكنن مَوْ هوْن .
وقال المبرد في الكامل : ( والسري لا يكون إلا سير الليل، قال الله عز وجل:" فأسر بأهلك" (الحجر56) من قولك أسريت، وهي اللغة القرشية، وغيرهم من العرب يقول سريت، (بدون ألف ) 2
ويقولون عن النجمة أو الكوكب إذا مشى : سار ، والمعروف عن الكواكب أنها سيارة فقالوا هنا :
يا نجمة الصبح سيري مع القمر سيري
سلمي على أمي وأبوي وكل من أريتي لي (رأيتِ لي ) .
وأما فعل يحشك فيستعملونه بمعنى يعبئ ، مثل يحشك القطن ، أو الصوف في المخدَة ، أو الفراش و الحَشاكُ: بالفتح والتشديد وآخره كاف ، وهو من حَشكت الدرة تحشِكُ حشكاَ بالتسكين وحشوكاَ إذا امتلأتْ ، وهذا فَعال منه لاجتماع المياه فيه ، وهو واد أو نهر بأرض الجزيرة بين دجلة والفرات يأخذ من الهرماس ( ومخرج الهرماس من طور عبدين ويصب في الخابور ) وذكر ياقوت : "والحشاك من مياه نهر الهرماس ، وهو نهر نصيبين ، ويمر بالحضر مدينة الساطرون ، ثم يصب في دجلة أسفل تكريت إلى نهر نصيبين ويصب في دجلة ، ويسمى الحشاك ،ويقولون احزق ، أي شدّ ، وقال أبو الفرج في الأغاني : " ثم التفتُ إلى حنين ، وعوده في حجرهِ ، وعليه قباء خشك شويْ ، وخفان مكعبان، فسلم عليّ؛ فقلتُ له: كيف أنت أبا كعب، فقال: بخير أبا عمرو؛ فقلت: احزق الزير ، وأعرخ البم ففعل؛ وضرب فأجاد 3.
ويقولون عن من تعب كثيرا "انطرح من تعبه " ولمن يرتجف من البرد "قفل من برده" أي يبس ، وقَفَل الجلد يَقْفُل قُفُولاً ، وقَفِل، فهو قافِل وقفِيل: يَبِس ، والقَفْل، بالفتح: ما يَبِس من الشجر؛ 4.
ويستعملون كلمات مثل "حقا و سقطْ " في حالات مختلفة ، فتستعمل كلمة "حقا " إذا تمنوا ما سمعوه أن يكون حقيقة ، وتأتي على صيغة سؤال واستفهام فيقولون : حقا صرت مدير ؟ أي نتمنى أن يكون الأمر كذلك ، أما إذا تمنوا العكس أو سمعوا خبراً لا يعجبهم ، فيستعملون كلمة " سقط " بدلاً من حقا مثلاً :سقط ساقك انكسرت ؟ أي نتمنى أن يكون الكلام الذي سمعناه سقطاً ، أي غير صحيح ، وتقول العرب : سقط في كلامه وبكلامه سقوطا، إذا أخطأ، وكذلك أسقط في كلامه .
ويستعملون ألفاظاً في كلامهم باتت غريبة على آذان من يسمعوها في وقتنا هذا مثل كلمة قطْ ، بمعنى أبداً ، فيقولون : "ما اريْتوهُ قط " ، أي ما رأيتُهُ قط ، وعندما ينتهون من أكل أو شرب يقدم لهم من باب الضيافة ، فيقولون : "دايمة قًطْ وقطْ " ، وإذا أرادوا مقاطعة شخص ما ، فيقولون لبعضهم : "لا تنادمُوهُ" وينادم كلمة عربية تعني يجالسه ويشرب معه ولكن هنا تستعمل للمجالسة والتحدث فقط .
وأما كلمة مغبون فتأتي من الغبن فيقال : غَبَنْتُهُ بالبيع بالفتح، أي خدعته، وقد غُبِنَ فهو مَغْبونٌ: أي أَن يَغْبِنَ القومُ بعضهم بعضاً .
ويستعملون كلمة حسوة وهي أَن يَحْسُوَ حَسْوةً من اللبن ، أو المرقة ، ويقول ابن منظور : يَتَمَجَّعُ ، وهو أَن يَحْسُوَ حَسْوةً من اللبن ويَلْقَمَ عليها تَمْرةً 5.
ويسمون الثلج هبْوة ، وعندما تثلج السماء يقولون : "هبت" ، وعندما يهاجمهم البق أو الغبار يقولون : " هَبْت علينا الغبرة ، وهبا علينا البق " وقال ذي الرَمَّة :
وزُرقٍ كَستْهُنَّ الأسِنَّةُ هَبْـوةً **** أرقَ من الماءِ الزُلالِ كَليلُها . 6
ويعاقبون أحياناً بين الواو والياء ، فيجعلون أحداها مكان الأخرى ، فيقولون في يليق ، يلوق وفي يعدو ، يعدي ، وفي حالة الأمر يستعملونها كما هي فيقولون "اعدي عدو" ، أي اعدي عدواً .
ويعاقبون أيضاً بين الفاء والثاء مثل "فم" يلفظونها "ثم" وبين الذال والهاء مثل "ذاك" تلفظ "هاك" .
ويستعملون التقديم والتأخير أحياناً ، فيقدمون حرفا ويؤخرون آخركما في ، ملعقة ،عصفور، رأيتُ فيلفظونها معلقة ، عفصور ، أريتُ ، ويميّلون الألف فتصبح قريبة من الياء مثل : واحد ، فيلفظونها ويحد ، وغربال يلفظونها غربيل ، ويميلونها أيضاً في حالة الجمع مثل : تنانير ، ذئاب ، ناس فيلفظونها تنينير ، ذييب . نيس ، وهذه الحالة تعرف بالإمالة أو التضجيع وكانت بعض القبائل العربية تستعملها ، ولكن ليست عامتها كما ذكر لنا الدكتور شوقي ضيف بقوله : " إعلم أنه ليس كل من أمال الألفات ، وافق غيره من العرب ممن يميل".
ويطلقون على الخادم ، أو الولد "غلام" ، والجمع غلمان .
ويسمون السحاب الممطرة " درّوة " فيقولون : جت دروة سوْدا ( أي مزنه سوداء )، وقال ابن منظور : والدِّرَّةُ في الأَمطار: أَن يتبع بعضها بعضاً ، وجمعها دِرَرٌ ، و دَرَّت السماء بالمطر دَرّاً ، ودُرُوراً إِذا كثر مطرها؛ وسماء مِدْرَارٌ ، وسحابة مِدْرَارٌ ، وللسحاب دِرَّةٌ أَي صَبٌّ، والجمع دِرَرٌ؛. 7
ويسمون شوربة العدس مخلوطة ، وأحيانا مشوشة وللاسمين معنى واحداً فيُقال : تشوش عليه الأمر و اختلط .
ويطلقون على الشيء المجموع شقلة فيقولون : شقلة بقدونس ، أو ريحان أي الكثير منها حتى يثقل وزنه ، وعلى من يحمل شيئا ثقيلا يقولون : " تشَّقله " أي حمله بوزنه الثقيل ويقول الزبيدي ويُقالُ: عِنْدَهُ دَرَاهِمُ شَقْلَةٌ، وشَقْلَةٌ مِنْ دَرَاهِمَ، لِكَثِيرَةٍ مِنْها8.
وينادون للجد ( سيْدي وجدي ) و للجدة (ميْمتي ) ويقولون عن الصهر ختن ويطلقونها على صهرهم المتزوج فيهم ولا يستعملون غيرها.
ويقول ابن منظور في لسان العرب : " أَن خَتَنَ القوم صِهْرُهم والمتزوِّج فيهم أَصهار الخَتَن ِويقال لأَهل بيتِ الخَتَنِ الأَخْتَانُ، ولأَهل بيت المرأَة أَصهارٌ، ومن العرب من يجعلهم كلَّهم أَصْهاراً"
فقال ابن العبري : دخل على الوليد بن عبد الملك أعرابي فمتَّ (توسل) إليه بصهر له.فقال له الوليد: من ختنَك بفتح النون (بفتح النون يصبح المعنى من طهّرك ) ، فقال الإعرابي : بعض الأطباء ، فقال سليمان (أخو الوليد): إنما يريد أمير المؤمنين منْ ختنُك ، وضم النون ( وبضم النون يصبح من صهرك ). فقال الأعرابي: نعم فلان ، وذكر ختنه ، وعاتبه أبوه عبد الملك على ذلك ، وقال له : لا يلي العرب إلا من يحسن كلامهم 9.
ويقولون عن البطن جوف ، وكانت العرب تستعمل لفظة جوف أكثر من بطن ، وقال ابن العبري : عمدت حسنة جارية المهدي إلى كمثرى فأهدته إلى جارية أخرى كان المهدي يتحظاها ، وسمَّت منه كمثراة هي أحسن الكمثرى ، فاجتاز الخادم بالمهدي ، وكان يعجبه الكمثرى ، فأخذ تلك الكمثراة المسمومة فأكلها ، فلما وصلت إلى جوفه صاح: "جوفي جوفي" فسمعت حسنة بموته فجاءت تبكي ، وتلطم وجهها وتقول : أردت أن أنفرد بك فقتلتك 10 .
وإذا طلب احدهم من الآخر أن يذهب ويعود مسرعاً ، فيقول له : "روح وتعا خفيف وزخم" أي اعطي لحركتك خفة ، ودفعاً ويقول ابن منظور : وزَخَمَه يَزْخَمُهُ زَخْماً: دفعه دفعاً شديداً 11.
ويستبدلون الميم في آخر جمع المذكر إلى نون للتخفيف مثل : أنتم و لعبتم يلفظونها انتن ولعبتن .
وهناك كثير من الأمراض مازالوا يسمونها بأسمائها القديمة مثل : الفتاق عندهم قيلة ، والخراج الجلدي ، قوبا ، والرائحة الكريهة المتعفنة خمّة ، وهناك بعض الألفاظ اختص بها : عرب الراشدية ، والمخاشنية ، والمنيزل الذين يعيشون في المنطقة القريبة من الصور وهي :إستعمالهم لحرف الباء بدلاً من الألف في الفعل المضارع مثل : اروح و يروح ، يلفظونها بروح ، بيروح ، وهذه الباء يستعملها عرب الخليج ايضا ،ويقلب هؤلاء العرب الهمزة إلى قاف مثل كلمة سؤال يلفظونها سقال (ويلفظها البدو سعال ).
وهناك خلاف بسيط في اللهجة بين محلمية الصور و محلمية مديات لا يشعر به إلا هم ، وهذا الاختلاف يكمن في اللكنة ، وحركات الكلام ، والتسكين ، ولكن أكثر الألفاظ هي ذاتها وإن وجدت اختلافات فهي قليلة .
واستعملوا أيضا بعض الألفاظ كانوا قد استنبطوها من الأصوات التي تصدر عنها مثل فعل : فر الدفتر ، أي ارمه ، وجاء هذا الفعل من الصوت الذي يصدره الدفتر عندما يرمى به مثلما يقولون للطير إذا طار "فر الطير" وهنا الفعل جاء من الصوت الذي يصدره الطير عندما يطير وهي من الفصحى ( وهنا تكون الفاء منقوطة بواحدة ، وفي الأولى تكون منقوطة بثلاث ) ،
وهناك كلمات مثل " جفجق المي " (الجفجقة هي الصوت الذي يصدره الماء عندما يتحرك ويرتطم بالوعاء أو يسقط على الأرض) ، "جرَ" الورق أو القماش ، وهو الصوت الذي يصدر عن تمزيق القماش أو الورق ، أو"برجق" العلبة برجله أي دهسها ( و الجيم في هذه الأفعال منقوطة بثلاث ) ، وهكذا يكونون قد استطاعوا أن يضيفوا للهجتهم ألفاظا غير موجودة في قواميس اللهجات الأخرى ، حتى وان كانت ركيكة ، واللغة العربية كما هو معلوم لم تتحول من فصحى إلى عامية بشكل مفاجئ بل تحولت بشكل تدريجي ، وهذا ما نلحظه هنا في هذه القصيدة التي قيلت قبل أكثر من أربعمائة وخمسين عام ، للشيخ أبي سهيل بطي الفلاسي ، وكان منهم منصور بن جمهور ، الذي بايع الضحاك بن قيس المحلمي عندما حاصر عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بواسط ، وقال فيها :
انأ بني جبله بن أحمد عصبـه والجد من ياس ابـن الاعلمـي
أهل الجيـاد المكعتيـة والجنـا وبيارق الظفر العزيـز الاقدمـي
وحنا ضهدنـا الازد بعماناتهـم وطئ وعبد قيـس وآل محلمـي
ومنا آل منصور بن جمهور الذي قـاد الجمـوع بأدلـم يتقدمـي
وفي هذه الأبيات نلاحظ أن العربية الفصحى التي كانت شائعة عند العرب ، كانت قد عبرت منتصف الطريق باتجاه ما بات يعرف اليوم باللهجات العامية ، وهذا ما أشار إليه الأستاذ خير الدين الزركلي بقوله : "فليس من الخطأ في شيء أن يقول قائل : أن عرب الجاهلية وصدر الإسلام ، وما بعد هذين العصرين اللذين أينعت فيهما ثمار الأدب ، والشعر ، وأتت قرائح أبنائهما بالمعجب و المطرب ، لم يبرحوا يراهم من يرى عرب هذا الجيل في الكثير من عاداتهم أو أخلاقهم وآدابهم إلا ما فقدوه وهو الخسارة الكبرى أعني ( الأعراب ) في لغتهم " 12 .
________________________________________________
1- تاريخ الطبري -ج 6 ص6215،226
2- المبرد - الكامل في الأدب ج1 ص 93
3- علي الأصفهاني - الأغاني ج2 ص 341،358
4- ابن منظور لسان العرب - مادة قفل
5- لسان العرب - مادة مجع
6- محمود بن عمر الزمخشري - أساس البلاغة ص 693 ، 694 مادة هاء
7- لسان العرب - مادة درر
8- تاج العروس مادة شقل
9- ابن العبري - تاريخ مختصر الدولص113
10- المرجع نفسه - ص127
11- لسان العرب -مادة زخم
12- أحمد وصفي زكريا - عشائر الشام ص203
منقول من كتاب عرب طور عبدين
عبد القادر عثمان
ملاحظة: الموضوع منقول
الخميس يوليو 25, 2019 12:37 am من طرف ياتي
» اين هم بنو تغلب اليوم؟
الخميس يوليو 25, 2019 12:29 am من طرف ياتي
» نحن بنو محلّم بن ذهل بن شيبان
الثلاثاء يونيو 25, 2019 5:21 pm من طرف Admin
» هل هذه الاشعار للهجتنا المحلمية؟
الثلاثاء يونيو 25, 2019 5:18 pm من طرف Admin
» كلام يجب أن يُقال!
الثلاثاء يونيو 25, 2019 5:16 pm من طرف Admin
» الفرع هو الذي يتبع الأصل
الثلاثاء يونيو 25, 2019 5:14 pm من طرف Admin
» الكوسوسية في طور عابدين
الثلاثاء يونيو 25, 2019 5:13 pm من طرف Admin
» باعربايا في المصادر التاريخية
الجمعة ديسمبر 28, 2018 6:06 pm من طرف Admin
» العرب بين التاريخ والجغرافية
الجمعة ديسمبر 28, 2018 6:03 pm من طرف Admin
» هل المحلمية قبيلة قائمة بحد ذاتها أم منطقة يُقال لكل من يسكنها محلّمي؟
الأحد نوفمبر 04, 2018 11:52 pm من طرف Admin
» بيت شعر للشيخ يونس بن يوسف الشيباني باللهجة المحلمية
الأحد نوفمبر 04, 2018 11:49 pm من طرف Admin
» السريانية كنيسة وليست قومية
الأحد نوفمبر 04, 2018 11:47 pm من طرف Admin
» وفاة شيخ قبيلة المحلمية رفعت صبري ابو قيس
الأحد نوفمبر 05, 2017 10:56 am من طرف ابن قيس المحلمي
» السلام عليكم
الإثنين أغسطس 21, 2017 11:03 pm من طرف narimen boudaya
» المجموعة الكاملة للفنان جان كارات
الأربعاء يونيو 28, 2017 1:23 am من طرف nadanadoz