تاريخ طور عابديـــن

طـور عابـديـــــن 1:
منطقة جبلية وهضبة عالية تقع الآن في جنوب شرق تركيا ، وتمتد من حدود
بازبدي شرقا إلى حدود ماردين غربا ، ومن حدود حصن كيفا شمالا إلى حدود
دارا جنوبا ، منطقة قراها كثيرة ، وهواءها نقي ، ومياهها عذبه ، وتربتها
خصبه ، وخيراتها كثيرة ، هذه المغريات أغوت أمماً كثيرة وشعوباً مختلفة
منذ الأزل فجذبتها إليها ، لتعيش فوق ترابها ، وتستمتع بهذه الخيرات وكان
العرب أول تلك الشعوب ، التي وصلت إلى هذه الهضبة وامتلكوها قبل غيرهم
ومنحوها أسماء عشائرهم وقبائلهم ، وعرفت بهم وعرفوا بها وأصبحت من ديارهم
كما ذكر الكثير من كتبة التاريخ في كتبهم ، وبمختلف أجناسهم وانتماءاتهم
ومن بينهم السريان كما جاء على لسان توما ألمرجي في كتابه الرؤساء بقوله :
" منطقة «بيت عرباي» أو بلد العرب، وهو الاسم الذي أطلقه السريان على
منطقة مميزة من ديار ربيعة والممتدة من "بازبدي" قرب جزيرة ابن عمر شرقاً
، إلى بلد ونصيبين غرباً ، ومن طور عبدين شمالاً ، إلى جبال سنجار جنوباً
" .( 2)
وكان الحداث منهم أمثال لويس شيخو واسحق أرملة أكثر دقة في
تسمية من سكن هذا الجبل من هؤلاء العرب ، وأن هذا الجبل كان لبني شيبان بن
بكر وذويها ، لا يخالطهم إلى ناحية خراسان إلا الأكراد .(3 )
وطور
عبدين كلمة مكونة من اسمين الأول طور بالضم ثم السكون وآخره راء ، وهو
الجبل باللغة العربية وقال عنه بعض أهل اللغة لا يسمى طورا حتى يكون ذا
شجر ، ولا يقال للأجرد طور 4) ، وقال السيوطي : " الطور ما أنبت من
الجبال، وما لم ينبت فليس بطور" 5)، وطور كلمة عربية وتستعمل في كل اللغات
السامية الأخرى وهو اسم لكل جبل ، ثم صار علماً لجبال بعينها، منها طور
عبدين (6)
وعابدين : أو عبدين (بالألف الخنجرية) عين بعدها ألف
ممدودة وباء موحدة ودال مهملة مكسورة وياء ، وهو على لفظ الجمع كلمة عربية
تعني العابد وتأخذ معناها من العبادة ، كما جاء في قوله تعالى: جعلناهم
أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة
وكانوا لنا عابدين}. (الأنبياء/73) وطور يتلوها عابدين اسم جبل يقع شمال
شرق ماردين " وكان من بلاد نصيبين وكان من اكبر رساتيقها " .7
وكان
هذا الجبل على رأي قدامى المؤرخين والجغرافيين من بلاد العراق، فقال قوم :
العراقُ الطور والجزيرة والعِبْر ، والطور ما بين ساتيدما إلى دجلة
والفرات 7 ) ، وكان مالكو هذا الجبل قبل صعود بنو شيبان إليه من العرب
أيضا وكانوا من أهل الحضر كما ذكر شيخو بقوله : (أهل حضر كانوا من عرب
قضاعة عليهم ملك يمتد ملكه في أنحاء الجزيرة فقال عنه عدي بن زيد:
وأخو الحضر إذ بنـاهُ وإذ ... دجلةُ تجبى إليه والخابورُ 8
ومن ملوكهم كان الملك "سنطرق" وقد لقب ب "ملكا دي عرب"، (أي "ملك العرب" ) 9 .
وكانت
العرب تسميه أيضاً الساطرون وقال ابن خرداذبة : تَكرّيت وبإزائها في
البرية مدينة الحضر، كان ملك الحضر الساطرون بن الضّيْزَن، وعنه قال
الشاعر:
ملك الحضر والفرات إلى دجلة ***** طرا والطور من عبدين 10 .
ويقال
إنه وجد في جبل طورِ عبدين معصرة ، وفيها ساقية من الرصاص تجري تحت الأرض
، فتتبعت إلى أن كان مصبها في بيت من صفر بالحضر، فيقال : إن ملكها كانت
تُعصر له الخمر في طور عبدين ، وتصب في هذه الساقية فتخرج إلى الحضر 11،
وكانت تعد منطقة طور عبدين جزءا لا يتجزأ من أرض الجزيرة الفراتية وكانت
هذه الجزيرة قبل الإسلام طائفة منها للروم وطائفة للفرس ولكل فيما يده
منها جند وعمال ، وكان سهل ماردين ودارا إلى سنجار والى البرية لفارس وجبل
ماردين وطور عبدين للروم 12.
ولكن هذا لا يعني أن هذه الحدود وهذه
الترسيمات بين الروم ، والفرس كانت ثابتة ودائمة بل كان من الممكن تغييرها
وذلك بحسب ما تفرضه الأمور وتقتضيه الضرورات كما قال شميساني : (أن
الاتفاقات والمعاهدات التي كانت تبرم بين الدولتين الأعظم فارس وروما لم
تكن في الواقع إتفاقات أبدية مقدسة وأن ألإلغاء أو الانتهاك كان السمة
الغالبة عليها في كل زمان ومكان 13 .

عبدالقادر عثمان
_______________________________
المراجع
1 - تكتب عابدين بألف ممدودة وتكتب ايضا عبدين وبالف خنجرية فوق العين مثل عالميــن وعلمين .
2 - توما المرجي - كتاب الرؤساء ص 61
3- اسحق ارملة - القصارى ص6 , لويس شيخو - النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية ص 95
4 - الحموي - معجم البلدان مادة طور عبدين .
5- جلال الدين الأسيوطي -الإتقان ج1 ص 339
6 - الحموي معجم البلدان - مادة طور وعراق .
7 - (ابن حوقل - صورة الأرض – ص 133 )
8- شيخو - النصرانية وآدابها ص 97 .
9 - جواد علي - المفصل في تاريخ العرب والإسلام ج 2 ص 610 - 613
10 - عبيد الله بن خرذابة - المسالك والممالك ص 85 - 86 .
11 - الحموي - معجم البلدان مادة حضر .
12- يعقوب بن ابراهيم القاضي - كتاب الخراج ص 39 .
13 - حسن شميساني - مدينة ماردين ص 44



الملتقى الثقافي المحلمي
www.almuhallamia.com