- نسبه : الضحاك بن قيس بن الحصين بن عبد الله بن ثعلبة بن زيد مناة بن أبي عمرو بن عوف بن ربيعة بن محلم بن ذهل بن شيبان وكان آخر من خرج من ناحية الجزيرة في جمع الخوارج .
- مكان وزمان خروجه : الجزيرة الفراتية نواحي الموصل في ارض كفر توثا وماردين عام 126 هجرية .
سبب خروجه : أن الوليد بن يزيد بن عبد الملك حين قتل خرج بالجزيرة حوري يقال له سعيد بن بهدل الشيباني في مائتي من أهل الجزيرة فيهم الضحاك، فاغتنم قتل الوليد واشتغال مروان بالشام وخرج بارض ماردين واستطاع ان يعد جيشا من اهل الجزيرة ويعمل على اعداده وتدريبه في المنطقة الواقعة ما بين كفر توثا وماردين هاتين البلدتين اللتين كانتا مركزاً لتجمعاته وبعد تكاثر جمعه سار باتجاه العراق ولكنه مات في الطريق واستخلف الضحاك بن قيس الشيباني فبايعه السراة وأتى أرض الموصل وشهرزور. وإجتمع إليه من الصفرية أربعة آلاف أو يزيدون.
خلافته على الخوارج : قال خليفة بن خياط : أنَّ أبن سعيد لمّا حضرته الوفاة هناك اجتمع إليه قواده فدعاهم أن يستخلف عليهم رجلاً منهم فجعلوا ذلك إليه، فقال لنا: اختاروا منكم عشرة، فأخرج منهم عشرة ثم صيرهم إلى أربعة، ثم قال للأربعة، اختاروا. فاختاروا الضحاك بن قيس المحلمي، وشيبان بن عبد العزيز اليشكري. فقال لهما سعيد: اختاروا للمسلمين ولأنفسكما، فقال شيبان: فإني أختار لنفسي وللعامة الضحاك، وقال الضحاك: أختار لنفسي وللعامة شيبان، فأبى شيبان إلا الضحاك، ورضب بذلك أصحابهما فبايعوا الضحاك، فقال الضحاك بيتاً:
لأوردن رجالاً إن ملكتهم**** طعناً يثج كأفواه المثاعيب
وبويع الضحاك بن قيس بعد سعيد بن بهدل، فأراد حين بايعوه أن يأتي الشام فأبى عليه أصحابه، فوجه حبناء بن عصمة الشيباني إلى تكريت فغلب عليها، ووجه أبا الدبس أحد بني تيم الله بن شيبان إلى حولايا وأرضها، ورجلاً آخر إلى الدسكرة فلقي أبو الدبس جميع بن مقرن وحريث بن أبي الجهم الكلبيين، فقتل جميع بن مقرن، وانهزم حريث حتى أتى المدائن، ولقي الرجل الآخر الذي وجهه إلى الدسكرة سعيد التنوخي فقتل وانهزم أصحابه، فوجه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز الأصبغ بن ذؤاله، ويقال ابنه حمزة بن الأصبغ إلى المدائن فقاتل أبا الدبس .
وأقبل الضحاك من شهر زور في ثلاثة آلاف ويقال في أربعة آلاف وعلى مقدمته عبيدة بن سوار في أربعمائة فانتهى عبيدة إلى جسر النهروان
وعقد الضحاك بن قيس الجسر وعبر أصحابه إلى المدائن، فكتب إليه القعد الذين بالكوفة مع أصعر بن عبد الرحمن، وكتب إليه عاصم بن الحدثان فسره ذلك، فكتب إليه الضحاك أيضاً .
وأقام الضحاك بالمدائن أياماً ثم سار منها وقدم إلى الفرات مسكين بن الحسن المحلمي، فلقي على الفرات عبيد الله بن العباس الحارث بن معاوية بن ثور، وهو كندي، فلما رآه عبيد الله قطع الجسر ورجع إلى الكوفة، فأراد عبد الله بن عمران أن يوجه إليهالأصبغ بن ذؤالة ليمنعه من العبور، فقال له عبيد الله بن العباس: عبوره أيسر علينا من طلبنا له فدعه فليعبر. فأخذ برأيه.
وسرح مسكين الخارجي خيلاً فصعدت بالسفن فعقدوا الجسر وعبروا، وقد خندق أهل الكوفة على أفواه السكك، فاقتحم مسكين الخندق ثم رجع، فسار الخوارج إلى النخيلة فنزلوها في سنة تسع وعشرين ومائة، وابن عمر بن عبد العزيز يومئذ يقاتل النضر بن سعيد الحرشي قبل ذلك اربعة أشهر في العصبية بين أهل اليمن والقيسية: أهل اليمن مع ابن عمر، والقيسية مع النضر بن سعيد، فلما نزل الضحاك النخيلة أرسل ابن عمر إلى النضر: إن هذا المارق يريدني ويريدك فهلم فلتكن اليدان عليه جميعاً ثم ننظر.
وسفر بينهما العباس بن عبيد الله بن عبد الله ببة بن الحارث بن عبد المطلب، فأصابه سهم فقتل، ويقال إنه قتل قبل ذلك، وكان السفير غيره، فصاروا جميعاً يداً على الضحاك بن قيس.
قالوا: وأصبحوا غداة أربعاء فساروا إلى الخوارج، فالتقوا فقتل من الخوارج يومئذ أربعة عشر رجلاً ووإمرأة ، ثم التقوا من الغد فاشتد الأمر بينهم ،وأبلى يومئذ عاصم بن عمر بن عبد العزيز فلم يعرض له فارس إلا قتله، فحمل عليه البرذون بن مؤرق الشيباني فضربه عاصم على رأسه، وقتله .
واشتد عليهم الحر وهم يقاتلون،وثم انهزم ابن عمر وأهل الشام، فانتهى أهل الشام إلى خص قد أضجعته الريح فاقتحمه النضر بن سعيد في فوارس فلم يروا منفذاً فقالوا: هلكنا سيحرقونه علينا، ثم وجدوا منفذاً فخرجوا منه.
ولحق الخوارج هبيرة بن عبد الرحمن بن حسان بن المنذر بن حسان الضبي، وابناً لأبي سماك فقتلوهما، وجاء الخوارج الخندق فوقفوا ملياً ثم رجعوا إلى معسكرهم وحمل الناس قتلاهم ودفن آل الأشعث عاصم بن عمر بن عبد العزيز في دورهم.
ثم التقوا يوم الجمعة، ولقيهم الأصبغ بن ذؤالة في عشرة آلاف فهزمهم الخوارج حتى دخلوا حيطان الكوفة، فلما امسوا خرج قواد من قواد ابن عمر من اليمانية: منصور بن جمهور، والأصبغ بن ذوالة، وخرجت القيسية مع النضر بن سعيد إلى واسط، وهو يريد أن يغلب عليها، فأصبح ابن عمر وقد تفرق الناس عنه فحمل الأموال وارتحل فسبقته القيسية إلى واسط، فأرسل إلى النضر بن شبيب بن مالك الغساني، وهو عامل ابن عمر على واسط فقال: افتح لنا باب المدينة لتكون أيدينا واحدة، فأرسل إليه: يا بن السقاء، يا بن نسعة، قد كنت أحسب أن لك عقلاً، كيف أفتح لك باب المدينة وقد عرفت غدرك. الحق بطريق البريد مقعد أبيك فهو أشبه بك.
وقدم ابن عمر بأثقاله فدخل المدينة، ومات عامله شبيب بن مالك يوم دخل ابن عمر المدينة فقالت القيسية : لا ندعكم تعبرون به، فسفروا بينهم حتى أذنوا لهم أن يعبروا بالجنازة قوم لا سلاح عليهم ودخل الضحاك الكوفة فوجد في دار المختار قوماً من أهل الشام فمن عليهم، ووجد قوماً في دار بلال بن أبي بردة فقاتلوه فقتلهم وأمن الناس.
وبعث أبا الرجال وحبناء بن عصمة وعكرمة فباعوا الغنيمة عند قصر الكوفة، وذلك في أول يوم من شهر رمضان، وكان من رأي أصحاب الضحاك أن يستعرضوا أهل الكوفة، فمنعهم الضحاك ذلك، فلما دخلوا الكوفة تلقوهم بالأسوقة، فقال الضحاك: ألم أخبركم بأن لكم بها إخواناً يكتمون إيمانهم في دار الكفر، فمر رجل من الخوارج برجل على باب داره وكان عظيم البطن فقال له الخارجي: أصائم أنت? قال: نعم. قال: ما بطنك ببطن مؤمن ولولا أني أكره أن أفسد سناني بما في بطنك لأخرجته من ظهرك، وجنح إلى الضحاك عبيد الله بن عباس الكندي.
وقال هشام ابن الكلبي: شهد عبيد الله الخوارج بالكوفة وهم يقتتلون بين الحيرة والكوفة أيام الضحاك، مع جعفر بن العباس بن يزيد الكندي أخيه، فقتل جعفر، وجنح عبيد الله إلى الخوارج فقال أبو عطاء السندي:
ألا يا عبيد الله لو كان جعـفـر *** هو الحيّ لم يجنح وأنت قتـيل
تركت أخا شيبان يسكـب بـزّه *** ونجّاك خوّار العنـان رجـيل
فلا وصلتك الرحم من ذي قرابةٍ *** وطالب وترٍ والـذلـيل ذلـيل
وقال عبد الله بن عمر يرثي أخاه عاصماً :
لعمري لقد نادى المنادي فأسمعا *** بصوت رفيع حين نادى فأوجعا
غداة نعى يوم النخيلة عاصمـاً *** فأبكى العيون الجامدات وأقطعا
قالوا: وأقام الضحاك بالكوفة إلى شوال، ثم استخلف عليها ملحان بن معروف التيمي وعداده في بني شيبان، وسار إلى واسط، فلما بلغ النضر بن سعيد الحرشي مسيره شخص يريد مروان بالشام في نحو من ألف من أهل الشام، ومعه أبو أمية الثقفي، وعطية البعلي، وأقام نباته وجماعة من القيسية في الجانب الشرقي، ووادعوا ابن عمر، وأعابوه فعرض ملحان بالقادسية للنضر والقيسية فناشدوه الله وقالوا: إنا لا نريد القتال.
وكان مع ملحان قادم الذكواني فقاتلهم فقتل ملحان، ورجع قادم إلى الكوفة فقال بعض الحرورية:
سقى الله ملحاناً وبيّض وجـهـه *** كما جاهد الأحزاب يوم القوادس
ورثاه حبيب بن جدرة، ورثى عبد الملك بن علقمة فقال:
كابن ملحان فينا من أخـي ثـقة *** أو كابن علقمة المستشهد الشاري
من صادق كنت أصفيه مخالصتي *** فباع داراً بأغلى صفـقة الـدار
إخوان صدق أرجيهم وأخذلـهـم *** أشكو إلى الله خذلاني لأنصاري
فلما قدم الضحاك حصر ابن عمر، فقال ابن عمر لكاتبه الربيع بن سليمان: اعرض الناس فعرضهم فكانوا ثمانية آلاف فقال: ما هؤلاء بشيء فما الرأي? قال: إن بواسط خلقاً لا يلقاك الضحاك بمثلهم. قال: فاعرض فعرض لعشرة آلاف.
وقاتل الضحاك فكان نباتة يوجه ابنه محمد بن نباتة في القيسية فيقاتلون الضحاك ومعهم إسماعيلبن عبد الله البجلي في قوم من اليمانية، ثم يرجعون إلى المدينة الشرقية بواسط، ثم تركهم إسماعيلوشخص إلى البصرة.
وكتب نباتة إلى مروان بذلك فكتب إليهمروان كتاباً لطيفاً أمره فيه بالاستقامة على منهاجه، والمداومة على أمره، وندم إسماعيلعلى ما كان منه فقاتلهم الضحاك ستة أشهر ويقال سنة على باب المضمار، وباب الزاب، وكان يلي قتال الخوارج منصور بن جمهور، ولم تكن القيسية بمناصحة لابن عمر فقتل منصور يوماً رجلاً من عباد الخوارج في المعركة يقال له عكرمة، وجرح منصور جراحة خفيفة، فأمر له ابن عمر بثلاثين ألفاً.
ثم قاتلهم منصور على باب الزاب، فاستعلى الخوارج، وأكثروا القتل في اليمانية، وقتل من الخوارج عبد الملك بن علقمة العبدي، طعنه منصور فقتله، وحملت عليه أم العشنزر فأخذت بلجام دابته وضربته ضربة خفيفة، وضربها منصور ضربة شديدة، وقتل أبي جحشنة أخي الضحاك.
ودنا الخوارج من المدينة فأمر ابن عمر بدواب مقاريف فأُلبست المشاقة، ثم أشعل فيها النار وأُرسلت في عسكر الخوارج فذعرتهم وأحرقت فساطيطهم وأخبيتهم، ولم تمر بشيء إلا أحرقته، فتركوا خيولهم وتركوا عسكرهم، ونزلوا على أربعة فراسخ منه، ثم تدانوا فصاروا من ابن عمر على فرسخ أو فرسخين، وخرج منصور بن جمهور فقاتله الخيبري وأصحابه على باب البصريين أشد قتال حتى تعانقوا، وقتل عبد الحميد الكلبي وهو ابن عمر منصور، وقاتل ابن عمر الضحاك من ناحية باب الزاب، ثم تحاجزوا، فقال منصور لابن عمر: ما قاتلت مثل هؤلاء القوم عرباً ولا عجماً. فقال ابن عمر: الرأي أن نعطيهم الرضا ونضرب بهم مروان. فأجمع ابن عمر على مصالحتهم، وبعث رسلاً إلى الضحاك فدخلوا إليهوهو يتعشى فدعاهم إلى العشاء فأبوا فقال: إنه عدس طيب وخل وزيت، فكلموه وسفروا بينه وبين ابن عمر فاصطلحا على أن يسير الضحاك إلى مروان فإن قتل الضحاك فليس لأحد في عنق ابن عمر بيعة، وإن قتل مروان صار ابن عمر مع الضحاك. فقال الضحاك: لا بد من أن ألتقي وابن عمر. فالتقيا مع هذا فوارس، ومع هذا مثلهم، وكان سليمان بن هشام خرج على مروان فلقيه فأوقع به وحوى عسكره، وكانت وقعته بخساف أو قربها فصار إلى العراق ومعه قوم من أهل بيته، وكان سليمان خليفة إبراهيم بن الوليد على عسكره، ثم صار مع مروان فأكرمه ثم خرج عليه وحاربه فبايع سليمان بن هشام، وأبان بن معاوية بن هشام، وداود بن سليمان بن عبد الملك الضحاك، وكان الذي تولى أخذ البيعة للضحاك عبيدة بن سوار.
قالت أم العشنزر لمنصور: قطع الله يدك إذ لم تدخل النار على يدي، وأُرزق الشهادة على يدك.
وبايع ابن عمر اليمانية وأبت القيسية أن تبايع، ومضوا إلى الشام: ابن نباته وأصحابه، واستعمل الضحاك على الكوفة المثنى بن عمران العائذي، من عائذة قريش.
وغلب الضحاك بن قيس الشيباني من بني المحلم بن ذهل بن شيبان الخارجي الصفري على العراق، ولم يغلب أحداً من الخوارج قبله ولا بعده عليهما، وسار للقاء مروان في جيوش عظيمة ومعه سليمان بن هشام بن عبد الملك في جمع مواليه ورجاله مؤتماً بالضحاك تابعاً له، وفي ذلك يقول بعض شعراء الخوارج مفتخراً: ألم تر أن اللـه أنـزل نـصـره *** وصلت قريش خلف بكر بن وائل .
قالوا: فأقام الضحاك بواسط إلى شهر ربيع الآخر، ثم سار إلى المدائن، فقدم عليه عذار بن بيهس السدوسي في وفد من خراسان، فجمع لهم من أصحابه شيئاً وصلهم به.
قالوا: وكان مروان متشاغلاً بأهل حمص، وكان معه رجال من البيهسية من أصحاب بسطام، منهم عثعث التغلبي وابن عم له، فقالا لمروان: اندب معنا قوماً إلى الضحاك، فندب خمسة آلاف فيهم الدب القيسي ومروان بن البختري القرشي.
وبلغ الضحاك مسيرهم فوجه الخيبري والحسن بن منصور في خيل، وكان القطران بن أكيمة على الموصل، فنهى البيهسية من أصحاب مروان عن قتال أصحاب الضحاك، فلم يقبلوا وأوقعوا بالبيهسية وأسر الدب فمن عليه الضحاك.
وأتى الحسن بن منصور قطران، فقاتله قطران، ويقال بل قتل الحسن القطران، وكتب مروان إلى ابنه عبد الله، وهو على معونة الجزيرة يأمره بنزول نصيبين، وكتب مروان إلى الضحاك كتاباً يقول فيه: قد كان لك في نفسك شغل بإصلاح فسادها عن سفك الدماء، فأجابه الضحاك بكتاب يقول فيه: إن أعظم الشغل وأولاه بالإيثار أداء ما فرض الله من جهاد الكفار والمنافقين.
وتكاتبا مرات، وسار الضحاك وعلى مقدمته مسكين اليشكري وأتى نصيبين فحصر عبد الله بن مروان، وبث خيوله في أرض الجزيرة فضج أهل الجزيرة إلى مروان، فقال إسحاق بن مسلم العقيلي لمروان: إن الخوارج قد انتشروا بأرض الجزيرة وأحرقوا واستعرضوا وأنا خائف أن يرفض من معك مراكزهم ويلحقوا بحرمهم وأنت مقيم على هؤلاء.
فقال مروان: لو أحاطت الأعداء كلها بي ما برحت أو أفتح حمص أو أُقتل.
وكتب مروان إلى ابنه عبد الله أن اكتب إلى يزيد بن عمر بن هبيرة فليأتك، وابن هبيرة يومئذ بنهر سعيد قد وقفه مروان هناك، فكتب إليه: لا حاجة بنا إلى ابن هبيرة لأنا لا نأمن أن يكر الناس إلى ما قبلنا فيغلو السعر، وفيمن قبلنا كفاية وليسر ابن هبيرة إلى العراق فإنها شاغرة وقد خرج عنها الضحاك.
فأعجب مروان ذلك من رأي ابنه عبد الله وقال: بأبي أنت وأمي. فكتب إلى ابن هبيرة أن يسير إلى العراق، ونصب مروان المجانيق على حمص حتى طلبوا الأمان، فأمن الناس غير سعيد بن هشام والسمط بن ثابت، ورجل من بني سليم، ورجل يهودي، وهدم حائط المدينة فقال بعض الحمصيين.
يا حمص ويحك لا تجزعي *** قصّصك الجعديّ سكنينـه
وارتحل مروان يريد الضحاك، فنزل بحران بباب التبن، وكتب إلى معاوية بن يزيد بن حصين بن نمير السكوني بحمص، وإلى زامل بن عمرو بدمشق، وإلى ثعلبة بن سلامة بالأردن، وإلى الرماحس بن عبد العزيز الكناني بفلسطين أن يوجهوا إليه فرسان أهل الشام.
فسار إلى الضحاك والتقوا بموضع يقال له الغزّ من أرض كفرتوثا من أعمال ماردين وأقاموا يقتتلون أياماً كثيرة في سنة 129.
وقال أصحاب الضحاك له: قد اجتمع لك ما لم يجتمع لرجل على رأيك منذ اختلف الناس، فلا تباشر القتال بنفسك، ووجه الخيل وكن ردءاً للمسلمين تمدهم إن أرادوا المدد. فقال: مالي في الحياة أرب، وقد أعطيت الله عهداً إن ضمني وهذا الجبار معسكر لا أدع جهداً، فقاتله ثلاثة أيام، ومع الضحاك سليمان بن هشام في ذكوانيته، ومن انضم إليهمن أهل الشام، ورفاعه بن ثابت، وعصمة بن المقشعر الكلبي، فالتقوا ووقف الخوارج على تل فأزالهم أهل الشام عنه، ووقفوا عليه فقاتلهم الخيبري، فأزال أهل الشام عن التل ووقف عليه سليمان بن هشام في الذكوانية، فكره مروان موقفه وقال: يتعلم غلمان بني أمية على الطعان، وانصرف إلى عسكره، ورجع الخوارج مسرورين، فلما أصبحوا قال الضحاك: أما منكم أحد يشتاق إلى الجنة ويحب لقاء ربه?. وأنشدهم شعراً قيل فيمن مضى من الخوارج، وبكى فاقتتلوا طويلاً والخيبري يقول:
ايهن بني شيبان طعناً تترى *** طعناً يرى منه القنا محمرّا
يترك ذا الضّغن به مزورّا *** يركب ردعا للردى مقـرّا
فلعنة الله على من فـرّا
وباشر مروان القتال وهو يقول :
أربعة تحمل شـيخـاً رائعـاً *** مجرّبا قد شاهد الـوقـائعـا
قد صادفت شيبان سماً ناقعا
وأصابت الضحاك جراحة، فقال: ليس كل من طلب الشهادة رزقها.
وتحاجزوا وخرجوا في اليوم الثالث وخرج الضحاك وقال: لا أرجع اليوم إلا أن يأبى ربي، ولست أملك إلا فرسي وسلاحي، وعلي سبعة دراهم منها ثلاثة في كمي فاقضوها عني وقال: ليس أمير القوم بالخب الخدع، ثم ترجل وقال: إن قتلت فليصل بكم شيبان بن سلمة، ويقاتل عدوكم الخيبري، ولم يعهد إلى أحد.
والتقوا نصف النهار وصبروا وصبر أهل الشام فكثرت بينهم القتلى، وهزمت الميمنة التي لمروان ميسرة الضحاك، واقتتلوا حتى أمسوا، وقتل من الخوارج خلق، وقتل الضحاك عند المساء ولم يعلم مروان بقتله فلما كان في الليل جاء مروان رجل من عسكر الضحاك فأخبره بقتله، فأرسل مروان من طلبه في القتلى فوجده وبوجهه ضربات فاحتز رأسه وأتى به مروان وقاتله دلهم من بني لأي ثم من بني يزيد بن هلال بن بذل بن عمرو بن الهيثم.
قالوا: فقال الخيبري لشيبان: يا أبا الذلفاء ولني قتال القوم، فإذا قتلت فالمسلمون على رأيهم. قال: نعم. فلم يقاتلهم ثلاثة أيام، وخرج في اليوم الرابع فحض الناس ثم لقيهم وعلى ميمنة مروان ابنه عبد الله، وعلى ميسرته إسحاق بن مسلم، فانهزم يومئذ مروان وضربه رجل ضربة قطعت حمائل سيفه، وضربه مروان فقطع يده.
وهاجت ضبابة شديدة فلم يبصر بعضهم بعضاً، ودخل الخيبري عسكر مروان، وانجلت الضبابة وليس مروان في العسكر، وظن الخيبري أن مروان قد قتل، واعترض العسكر جماعة من أصحابه فقاتل ومعه أبو كيلة وهو يقول:
قد فرّ مروان عن الرفاق *** نجّاه منا أعوجـيّ بـاق
يظلّ يمريه بعظم الساق
ونادى سليمان بن مسروح البربري مولى محمد بن مروان- وكان في حرس مروان-: كل عبد جاءنا فهو حر. فاجتمع إليه من العبيد والموالي وغيرهم خلق، فقتل الخيبري، دخلوا عليه وهو على فرش مروان فضربوه بالعمد.
وبشر مروان بمقتله، وخرج مروان إلى الناس. وبايعت الخوارج يعقوب التغلبي فقتل، فبايعوا مسكين اليشكري فقتل، فبايعوا شيبان، ويقال إنهم بايعوا شيبان حين قتل الضحاك فكان شيبان الذي ولى الخيبري القتال ، وقال الشاعر في قتل الضحاك والخيبري ويعقوب:
هم ضربوا الجنود بكفر توثا *** وهم نزلوا وقد كره الزّحام
سقى بلداً تضمّن خـيبـرياً *** ومسكيناً ويعقوب الغمـام .
- مكان وزمان خروجه : الجزيرة الفراتية نواحي الموصل في ارض كفر توثا وماردين عام 126 هجرية .
سبب خروجه : أن الوليد بن يزيد بن عبد الملك حين قتل خرج بالجزيرة حوري يقال له سعيد بن بهدل الشيباني في مائتي من أهل الجزيرة فيهم الضحاك، فاغتنم قتل الوليد واشتغال مروان بالشام وخرج بارض ماردين واستطاع ان يعد جيشا من اهل الجزيرة ويعمل على اعداده وتدريبه في المنطقة الواقعة ما بين كفر توثا وماردين هاتين البلدتين اللتين كانتا مركزاً لتجمعاته وبعد تكاثر جمعه سار باتجاه العراق ولكنه مات في الطريق واستخلف الضحاك بن قيس الشيباني فبايعه السراة وأتى أرض الموصل وشهرزور. وإجتمع إليه من الصفرية أربعة آلاف أو يزيدون.
خلافته على الخوارج : قال خليفة بن خياط : أنَّ أبن سعيد لمّا حضرته الوفاة هناك اجتمع إليه قواده فدعاهم أن يستخلف عليهم رجلاً منهم فجعلوا ذلك إليه، فقال لنا: اختاروا منكم عشرة، فأخرج منهم عشرة ثم صيرهم إلى أربعة، ثم قال للأربعة، اختاروا. فاختاروا الضحاك بن قيس المحلمي، وشيبان بن عبد العزيز اليشكري. فقال لهما سعيد: اختاروا للمسلمين ولأنفسكما، فقال شيبان: فإني أختار لنفسي وللعامة الضحاك، وقال الضحاك: أختار لنفسي وللعامة شيبان، فأبى شيبان إلا الضحاك، ورضب بذلك أصحابهما فبايعوا الضحاك، فقال الضحاك بيتاً:
لأوردن رجالاً إن ملكتهم**** طعناً يثج كأفواه المثاعيب
وبويع الضحاك بن قيس بعد سعيد بن بهدل، فأراد حين بايعوه أن يأتي الشام فأبى عليه أصحابه، فوجه حبناء بن عصمة الشيباني إلى تكريت فغلب عليها، ووجه أبا الدبس أحد بني تيم الله بن شيبان إلى حولايا وأرضها، ورجلاً آخر إلى الدسكرة فلقي أبو الدبس جميع بن مقرن وحريث بن أبي الجهم الكلبيين، فقتل جميع بن مقرن، وانهزم حريث حتى أتى المدائن، ولقي الرجل الآخر الذي وجهه إلى الدسكرة سعيد التنوخي فقتل وانهزم أصحابه، فوجه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز الأصبغ بن ذؤاله، ويقال ابنه حمزة بن الأصبغ إلى المدائن فقاتل أبا الدبس .
وأقبل الضحاك من شهر زور في ثلاثة آلاف ويقال في أربعة آلاف وعلى مقدمته عبيدة بن سوار في أربعمائة فانتهى عبيدة إلى جسر النهروان
وعقد الضحاك بن قيس الجسر وعبر أصحابه إلى المدائن، فكتب إليه القعد الذين بالكوفة مع أصعر بن عبد الرحمن، وكتب إليه عاصم بن الحدثان فسره ذلك، فكتب إليه الضحاك أيضاً .
وأقام الضحاك بالمدائن أياماً ثم سار منها وقدم إلى الفرات مسكين بن الحسن المحلمي، فلقي على الفرات عبيد الله بن العباس الحارث بن معاوية بن ثور، وهو كندي، فلما رآه عبيد الله قطع الجسر ورجع إلى الكوفة، فأراد عبد الله بن عمران أن يوجه إليهالأصبغ بن ذؤالة ليمنعه من العبور، فقال له عبيد الله بن العباس: عبوره أيسر علينا من طلبنا له فدعه فليعبر. فأخذ برأيه.
وسرح مسكين الخارجي خيلاً فصعدت بالسفن فعقدوا الجسر وعبروا، وقد خندق أهل الكوفة على أفواه السكك، فاقتحم مسكين الخندق ثم رجع، فسار الخوارج إلى النخيلة فنزلوها في سنة تسع وعشرين ومائة، وابن عمر بن عبد العزيز يومئذ يقاتل النضر بن سعيد الحرشي قبل ذلك اربعة أشهر في العصبية بين أهل اليمن والقيسية: أهل اليمن مع ابن عمر، والقيسية مع النضر بن سعيد، فلما نزل الضحاك النخيلة أرسل ابن عمر إلى النضر: إن هذا المارق يريدني ويريدك فهلم فلتكن اليدان عليه جميعاً ثم ننظر.
وسفر بينهما العباس بن عبيد الله بن عبد الله ببة بن الحارث بن عبد المطلب، فأصابه سهم فقتل، ويقال إنه قتل قبل ذلك، وكان السفير غيره، فصاروا جميعاً يداً على الضحاك بن قيس.
قالوا: وأصبحوا غداة أربعاء فساروا إلى الخوارج، فالتقوا فقتل من الخوارج يومئذ أربعة عشر رجلاً ووإمرأة ، ثم التقوا من الغد فاشتد الأمر بينهم ،وأبلى يومئذ عاصم بن عمر بن عبد العزيز فلم يعرض له فارس إلا قتله، فحمل عليه البرذون بن مؤرق الشيباني فضربه عاصم على رأسه، وقتله .
واشتد عليهم الحر وهم يقاتلون،وثم انهزم ابن عمر وأهل الشام، فانتهى أهل الشام إلى خص قد أضجعته الريح فاقتحمه النضر بن سعيد في فوارس فلم يروا منفذاً فقالوا: هلكنا سيحرقونه علينا، ثم وجدوا منفذاً فخرجوا منه.
ولحق الخوارج هبيرة بن عبد الرحمن بن حسان بن المنذر بن حسان الضبي، وابناً لأبي سماك فقتلوهما، وجاء الخوارج الخندق فوقفوا ملياً ثم رجعوا إلى معسكرهم وحمل الناس قتلاهم ودفن آل الأشعث عاصم بن عمر بن عبد العزيز في دورهم.
ثم التقوا يوم الجمعة، ولقيهم الأصبغ بن ذؤالة في عشرة آلاف فهزمهم الخوارج حتى دخلوا حيطان الكوفة، فلما امسوا خرج قواد من قواد ابن عمر من اليمانية: منصور بن جمهور، والأصبغ بن ذوالة، وخرجت القيسية مع النضر بن سعيد إلى واسط، وهو يريد أن يغلب عليها، فأصبح ابن عمر وقد تفرق الناس عنه فحمل الأموال وارتحل فسبقته القيسية إلى واسط، فأرسل إلى النضر بن شبيب بن مالك الغساني، وهو عامل ابن عمر على واسط فقال: افتح لنا باب المدينة لتكون أيدينا واحدة، فأرسل إليه: يا بن السقاء، يا بن نسعة، قد كنت أحسب أن لك عقلاً، كيف أفتح لك باب المدينة وقد عرفت غدرك. الحق بطريق البريد مقعد أبيك فهو أشبه بك.
وقدم ابن عمر بأثقاله فدخل المدينة، ومات عامله شبيب بن مالك يوم دخل ابن عمر المدينة فقالت القيسية : لا ندعكم تعبرون به، فسفروا بينهم حتى أذنوا لهم أن يعبروا بالجنازة قوم لا سلاح عليهم ودخل الضحاك الكوفة فوجد في دار المختار قوماً من أهل الشام فمن عليهم، ووجد قوماً في دار بلال بن أبي بردة فقاتلوه فقتلهم وأمن الناس.
وبعث أبا الرجال وحبناء بن عصمة وعكرمة فباعوا الغنيمة عند قصر الكوفة، وذلك في أول يوم من شهر رمضان، وكان من رأي أصحاب الضحاك أن يستعرضوا أهل الكوفة، فمنعهم الضحاك ذلك، فلما دخلوا الكوفة تلقوهم بالأسوقة، فقال الضحاك: ألم أخبركم بأن لكم بها إخواناً يكتمون إيمانهم في دار الكفر، فمر رجل من الخوارج برجل على باب داره وكان عظيم البطن فقال له الخارجي: أصائم أنت? قال: نعم. قال: ما بطنك ببطن مؤمن ولولا أني أكره أن أفسد سناني بما في بطنك لأخرجته من ظهرك، وجنح إلى الضحاك عبيد الله بن عباس الكندي.
وقال هشام ابن الكلبي: شهد عبيد الله الخوارج بالكوفة وهم يقتتلون بين الحيرة والكوفة أيام الضحاك، مع جعفر بن العباس بن يزيد الكندي أخيه، فقتل جعفر، وجنح عبيد الله إلى الخوارج فقال أبو عطاء السندي:
ألا يا عبيد الله لو كان جعـفـر *** هو الحيّ لم يجنح وأنت قتـيل
تركت أخا شيبان يسكـب بـزّه *** ونجّاك خوّار العنـان رجـيل
فلا وصلتك الرحم من ذي قرابةٍ *** وطالب وترٍ والـذلـيل ذلـيل
وقال عبد الله بن عمر يرثي أخاه عاصماً :
لعمري لقد نادى المنادي فأسمعا *** بصوت رفيع حين نادى فأوجعا
غداة نعى يوم النخيلة عاصمـاً *** فأبكى العيون الجامدات وأقطعا
قالوا: وأقام الضحاك بالكوفة إلى شوال، ثم استخلف عليها ملحان بن معروف التيمي وعداده في بني شيبان، وسار إلى واسط، فلما بلغ النضر بن سعيد الحرشي مسيره شخص يريد مروان بالشام في نحو من ألف من أهل الشام، ومعه أبو أمية الثقفي، وعطية البعلي، وأقام نباته وجماعة من القيسية في الجانب الشرقي، ووادعوا ابن عمر، وأعابوه فعرض ملحان بالقادسية للنضر والقيسية فناشدوه الله وقالوا: إنا لا نريد القتال.
وكان مع ملحان قادم الذكواني فقاتلهم فقتل ملحان، ورجع قادم إلى الكوفة فقال بعض الحرورية:
سقى الله ملحاناً وبيّض وجـهـه *** كما جاهد الأحزاب يوم القوادس
ورثاه حبيب بن جدرة، ورثى عبد الملك بن علقمة فقال:
كابن ملحان فينا من أخـي ثـقة *** أو كابن علقمة المستشهد الشاري
من صادق كنت أصفيه مخالصتي *** فباع داراً بأغلى صفـقة الـدار
إخوان صدق أرجيهم وأخذلـهـم *** أشكو إلى الله خذلاني لأنصاري
فلما قدم الضحاك حصر ابن عمر، فقال ابن عمر لكاتبه الربيع بن سليمان: اعرض الناس فعرضهم فكانوا ثمانية آلاف فقال: ما هؤلاء بشيء فما الرأي? قال: إن بواسط خلقاً لا يلقاك الضحاك بمثلهم. قال: فاعرض فعرض لعشرة آلاف.
وقاتل الضحاك فكان نباتة يوجه ابنه محمد بن نباتة في القيسية فيقاتلون الضحاك ومعهم إسماعيلبن عبد الله البجلي في قوم من اليمانية، ثم يرجعون إلى المدينة الشرقية بواسط، ثم تركهم إسماعيلوشخص إلى البصرة.
وكتب نباتة إلى مروان بذلك فكتب إليهمروان كتاباً لطيفاً أمره فيه بالاستقامة على منهاجه، والمداومة على أمره، وندم إسماعيلعلى ما كان منه فقاتلهم الضحاك ستة أشهر ويقال سنة على باب المضمار، وباب الزاب، وكان يلي قتال الخوارج منصور بن جمهور، ولم تكن القيسية بمناصحة لابن عمر فقتل منصور يوماً رجلاً من عباد الخوارج في المعركة يقال له عكرمة، وجرح منصور جراحة خفيفة، فأمر له ابن عمر بثلاثين ألفاً.
ثم قاتلهم منصور على باب الزاب، فاستعلى الخوارج، وأكثروا القتل في اليمانية، وقتل من الخوارج عبد الملك بن علقمة العبدي، طعنه منصور فقتله، وحملت عليه أم العشنزر فأخذت بلجام دابته وضربته ضربة خفيفة، وضربها منصور ضربة شديدة، وقتل أبي جحشنة أخي الضحاك.
ودنا الخوارج من المدينة فأمر ابن عمر بدواب مقاريف فأُلبست المشاقة، ثم أشعل فيها النار وأُرسلت في عسكر الخوارج فذعرتهم وأحرقت فساطيطهم وأخبيتهم، ولم تمر بشيء إلا أحرقته، فتركوا خيولهم وتركوا عسكرهم، ونزلوا على أربعة فراسخ منه، ثم تدانوا فصاروا من ابن عمر على فرسخ أو فرسخين، وخرج منصور بن جمهور فقاتله الخيبري وأصحابه على باب البصريين أشد قتال حتى تعانقوا، وقتل عبد الحميد الكلبي وهو ابن عمر منصور، وقاتل ابن عمر الضحاك من ناحية باب الزاب، ثم تحاجزوا، فقال منصور لابن عمر: ما قاتلت مثل هؤلاء القوم عرباً ولا عجماً. فقال ابن عمر: الرأي أن نعطيهم الرضا ونضرب بهم مروان. فأجمع ابن عمر على مصالحتهم، وبعث رسلاً إلى الضحاك فدخلوا إليهوهو يتعشى فدعاهم إلى العشاء فأبوا فقال: إنه عدس طيب وخل وزيت، فكلموه وسفروا بينه وبين ابن عمر فاصطلحا على أن يسير الضحاك إلى مروان فإن قتل الضحاك فليس لأحد في عنق ابن عمر بيعة، وإن قتل مروان صار ابن عمر مع الضحاك. فقال الضحاك: لا بد من أن ألتقي وابن عمر. فالتقيا مع هذا فوارس، ومع هذا مثلهم، وكان سليمان بن هشام خرج على مروان فلقيه فأوقع به وحوى عسكره، وكانت وقعته بخساف أو قربها فصار إلى العراق ومعه قوم من أهل بيته، وكان سليمان خليفة إبراهيم بن الوليد على عسكره، ثم صار مع مروان فأكرمه ثم خرج عليه وحاربه فبايع سليمان بن هشام، وأبان بن معاوية بن هشام، وداود بن سليمان بن عبد الملك الضحاك، وكان الذي تولى أخذ البيعة للضحاك عبيدة بن سوار.
قالت أم العشنزر لمنصور: قطع الله يدك إذ لم تدخل النار على يدي، وأُرزق الشهادة على يدك.
وبايع ابن عمر اليمانية وأبت القيسية أن تبايع، ومضوا إلى الشام: ابن نباته وأصحابه، واستعمل الضحاك على الكوفة المثنى بن عمران العائذي، من عائذة قريش.
وغلب الضحاك بن قيس الشيباني من بني المحلم بن ذهل بن شيبان الخارجي الصفري على العراق، ولم يغلب أحداً من الخوارج قبله ولا بعده عليهما، وسار للقاء مروان في جيوش عظيمة ومعه سليمان بن هشام بن عبد الملك في جمع مواليه ورجاله مؤتماً بالضحاك تابعاً له، وفي ذلك يقول بعض شعراء الخوارج مفتخراً: ألم تر أن اللـه أنـزل نـصـره *** وصلت قريش خلف بكر بن وائل .
قالوا: فأقام الضحاك بواسط إلى شهر ربيع الآخر، ثم سار إلى المدائن، فقدم عليه عذار بن بيهس السدوسي في وفد من خراسان، فجمع لهم من أصحابه شيئاً وصلهم به.
قالوا: وكان مروان متشاغلاً بأهل حمص، وكان معه رجال من البيهسية من أصحاب بسطام، منهم عثعث التغلبي وابن عم له، فقالا لمروان: اندب معنا قوماً إلى الضحاك، فندب خمسة آلاف فيهم الدب القيسي ومروان بن البختري القرشي.
وبلغ الضحاك مسيرهم فوجه الخيبري والحسن بن منصور في خيل، وكان القطران بن أكيمة على الموصل، فنهى البيهسية من أصحاب مروان عن قتال أصحاب الضحاك، فلم يقبلوا وأوقعوا بالبيهسية وأسر الدب فمن عليه الضحاك.
وأتى الحسن بن منصور قطران، فقاتله قطران، ويقال بل قتل الحسن القطران، وكتب مروان إلى ابنه عبد الله، وهو على معونة الجزيرة يأمره بنزول نصيبين، وكتب مروان إلى الضحاك كتاباً يقول فيه: قد كان لك في نفسك شغل بإصلاح فسادها عن سفك الدماء، فأجابه الضحاك بكتاب يقول فيه: إن أعظم الشغل وأولاه بالإيثار أداء ما فرض الله من جهاد الكفار والمنافقين.
وتكاتبا مرات، وسار الضحاك وعلى مقدمته مسكين اليشكري وأتى نصيبين فحصر عبد الله بن مروان، وبث خيوله في أرض الجزيرة فضج أهل الجزيرة إلى مروان، فقال إسحاق بن مسلم العقيلي لمروان: إن الخوارج قد انتشروا بأرض الجزيرة وأحرقوا واستعرضوا وأنا خائف أن يرفض من معك مراكزهم ويلحقوا بحرمهم وأنت مقيم على هؤلاء.
فقال مروان: لو أحاطت الأعداء كلها بي ما برحت أو أفتح حمص أو أُقتل.
وكتب مروان إلى ابنه عبد الله أن اكتب إلى يزيد بن عمر بن هبيرة فليأتك، وابن هبيرة يومئذ بنهر سعيد قد وقفه مروان هناك، فكتب إليه: لا حاجة بنا إلى ابن هبيرة لأنا لا نأمن أن يكر الناس إلى ما قبلنا فيغلو السعر، وفيمن قبلنا كفاية وليسر ابن هبيرة إلى العراق فإنها شاغرة وقد خرج عنها الضحاك.
فأعجب مروان ذلك من رأي ابنه عبد الله وقال: بأبي أنت وأمي. فكتب إلى ابن هبيرة أن يسير إلى العراق، ونصب مروان المجانيق على حمص حتى طلبوا الأمان، فأمن الناس غير سعيد بن هشام والسمط بن ثابت، ورجل من بني سليم، ورجل يهودي، وهدم حائط المدينة فقال بعض الحمصيين.
يا حمص ويحك لا تجزعي *** قصّصك الجعديّ سكنينـه
وارتحل مروان يريد الضحاك، فنزل بحران بباب التبن، وكتب إلى معاوية بن يزيد بن حصين بن نمير السكوني بحمص، وإلى زامل بن عمرو بدمشق، وإلى ثعلبة بن سلامة بالأردن، وإلى الرماحس بن عبد العزيز الكناني بفلسطين أن يوجهوا إليه فرسان أهل الشام.
فسار إلى الضحاك والتقوا بموضع يقال له الغزّ من أرض كفرتوثا من أعمال ماردين وأقاموا يقتتلون أياماً كثيرة في سنة 129.
وقال أصحاب الضحاك له: قد اجتمع لك ما لم يجتمع لرجل على رأيك منذ اختلف الناس، فلا تباشر القتال بنفسك، ووجه الخيل وكن ردءاً للمسلمين تمدهم إن أرادوا المدد. فقال: مالي في الحياة أرب، وقد أعطيت الله عهداً إن ضمني وهذا الجبار معسكر لا أدع جهداً، فقاتله ثلاثة أيام، ومع الضحاك سليمان بن هشام في ذكوانيته، ومن انضم إليهمن أهل الشام، ورفاعه بن ثابت، وعصمة بن المقشعر الكلبي، فالتقوا ووقف الخوارج على تل فأزالهم أهل الشام عنه، ووقفوا عليه فقاتلهم الخيبري، فأزال أهل الشام عن التل ووقف عليه سليمان بن هشام في الذكوانية، فكره مروان موقفه وقال: يتعلم غلمان بني أمية على الطعان، وانصرف إلى عسكره، ورجع الخوارج مسرورين، فلما أصبحوا قال الضحاك: أما منكم أحد يشتاق إلى الجنة ويحب لقاء ربه?. وأنشدهم شعراً قيل فيمن مضى من الخوارج، وبكى فاقتتلوا طويلاً والخيبري يقول:
ايهن بني شيبان طعناً تترى *** طعناً يرى منه القنا محمرّا
يترك ذا الضّغن به مزورّا *** يركب ردعا للردى مقـرّا
فلعنة الله على من فـرّا
وباشر مروان القتال وهو يقول :
أربعة تحمل شـيخـاً رائعـاً *** مجرّبا قد شاهد الـوقـائعـا
قد صادفت شيبان سماً ناقعا
وأصابت الضحاك جراحة، فقال: ليس كل من طلب الشهادة رزقها.
وتحاجزوا وخرجوا في اليوم الثالث وخرج الضحاك وقال: لا أرجع اليوم إلا أن يأبى ربي، ولست أملك إلا فرسي وسلاحي، وعلي سبعة دراهم منها ثلاثة في كمي فاقضوها عني وقال: ليس أمير القوم بالخب الخدع، ثم ترجل وقال: إن قتلت فليصل بكم شيبان بن سلمة، ويقاتل عدوكم الخيبري، ولم يعهد إلى أحد.
والتقوا نصف النهار وصبروا وصبر أهل الشام فكثرت بينهم القتلى، وهزمت الميمنة التي لمروان ميسرة الضحاك، واقتتلوا حتى أمسوا، وقتل من الخوارج خلق، وقتل الضحاك عند المساء ولم يعلم مروان بقتله فلما كان في الليل جاء مروان رجل من عسكر الضحاك فأخبره بقتله، فأرسل مروان من طلبه في القتلى فوجده وبوجهه ضربات فاحتز رأسه وأتى به مروان وقاتله دلهم من بني لأي ثم من بني يزيد بن هلال بن بذل بن عمرو بن الهيثم.
قالوا: فقال الخيبري لشيبان: يا أبا الذلفاء ولني قتال القوم، فإذا قتلت فالمسلمون على رأيهم. قال: نعم. فلم يقاتلهم ثلاثة أيام، وخرج في اليوم الرابع فحض الناس ثم لقيهم وعلى ميمنة مروان ابنه عبد الله، وعلى ميسرته إسحاق بن مسلم، فانهزم يومئذ مروان وضربه رجل ضربة قطعت حمائل سيفه، وضربه مروان فقطع يده.
وهاجت ضبابة شديدة فلم يبصر بعضهم بعضاً، ودخل الخيبري عسكر مروان، وانجلت الضبابة وليس مروان في العسكر، وظن الخيبري أن مروان قد قتل، واعترض العسكر جماعة من أصحابه فقاتل ومعه أبو كيلة وهو يقول:
قد فرّ مروان عن الرفاق *** نجّاه منا أعوجـيّ بـاق
يظلّ يمريه بعظم الساق
ونادى سليمان بن مسروح البربري مولى محمد بن مروان- وكان في حرس مروان-: كل عبد جاءنا فهو حر. فاجتمع إليه من العبيد والموالي وغيرهم خلق، فقتل الخيبري، دخلوا عليه وهو على فرش مروان فضربوه بالعمد.
وبشر مروان بمقتله، وخرج مروان إلى الناس. وبايعت الخوارج يعقوب التغلبي فقتل، فبايعوا مسكين اليشكري فقتل، فبايعوا شيبان، ويقال إنهم بايعوا شيبان حين قتل الضحاك فكان شيبان الذي ولى الخيبري القتال ، وقال الشاعر في قتل الضحاك والخيبري ويعقوب:
هم ضربوا الجنود بكفر توثا *** وهم نزلوا وقد كره الزّحام
سقى بلداً تضمّن خـيبـرياً *** ومسكيناً ويعقوب الغمـام .
الخميس يوليو 25, 2019 12:37 am من طرف ياتي
» اين هم بنو تغلب اليوم؟
الخميس يوليو 25, 2019 12:29 am من طرف ياتي
» نحن بنو محلّم بن ذهل بن شيبان
الثلاثاء يونيو 25, 2019 5:21 pm من طرف Admin
» هل هذه الاشعار للهجتنا المحلمية؟
الثلاثاء يونيو 25, 2019 5:18 pm من طرف Admin
» كلام يجب أن يُقال!
الثلاثاء يونيو 25, 2019 5:16 pm من طرف Admin
» الفرع هو الذي يتبع الأصل
الثلاثاء يونيو 25, 2019 5:14 pm من طرف Admin
» الكوسوسية في طور عابدين
الثلاثاء يونيو 25, 2019 5:13 pm من طرف Admin
» باعربايا في المصادر التاريخية
الجمعة ديسمبر 28, 2018 6:06 pm من طرف Admin
» العرب بين التاريخ والجغرافية
الجمعة ديسمبر 28, 2018 6:03 pm من طرف Admin
» هل المحلمية قبيلة قائمة بحد ذاتها أم منطقة يُقال لكل من يسكنها محلّمي؟
الأحد نوفمبر 04, 2018 11:52 pm من طرف Admin
» بيت شعر للشيخ يونس بن يوسف الشيباني باللهجة المحلمية
الأحد نوفمبر 04, 2018 11:49 pm من طرف Admin
» السريانية كنيسة وليست قومية
الأحد نوفمبر 04, 2018 11:47 pm من طرف Admin
» وفاة شيخ قبيلة المحلمية رفعت صبري ابو قيس
الأحد نوفمبر 05, 2017 10:56 am من طرف ابن قيس المحلمي
» السلام عليكم
الإثنين أغسطس 21, 2017 11:03 pm من طرف narimen boudaya
» المجموعة الكاملة للفنان جان كارات
الأربعاء يونيو 28, 2017 1:23 am من طرف nadanadoz