المطالعة و أثرها في حياة الفرد

مما لاشك فيه أن انسان العصر الحديث يعيش أرقى ظروف الحياة وأنفعها وأقلها كلفة وجهداً , فالعلم منتشر في كل مكان ومسخر لخدمة الانسان ورفاهيته المطلقة في البيت والشارع والمعمل وقطاع الانتاج بكافة اشكاله .

وإن عقل الانسان عمل باستمرار وفق أحدث النظريات العلمية للوصول إلى أفضل الاساليب التي تكفل للانسان الراحة والطمأنينة .‏

ولعل من أهم هذه الاساليب التي لم تكن غير نتاج العقل البشري المتفتح على الحياة والمتمثل لشؤونها المختلفة هو الكتاب فلا يكاد الذهن البشري يتحول إلى رموز واشارات نسميها اللغة حتى يصبح بمقدور أي انسان أن يتوصل إلى نتاج الذهن البشري , على صفحات الكتاب والتي تجعل من الفرد يقرؤها في المراكز الثقافية أو يحاول شراءها لضمها إلى مكتبته الخاصة .‏

لقد أصبحت المطالعة في أيامنا هذه حاجة من حاجات الانسان , لايقوى على الاستغناء عنها فهي بالنسبة للبعض كالطعام بالنسبة للجائع .‏

وكما أن دم الانسان يتطلب الطعام غذاء ً رئيساً له , كذلك فإن عقل الانسان يحتاج بشكل دائم لقراءة الكتب المفيدة من أجل نموه وارتقائه ولا عجب أن يتنبه الجاحظ , قبل قرون طويلة إلى أهمية الكتاب من خلال زيادة المعارف الأدبية والعلمية للفرد في المجتمع .‏

فدعانا إلى اقتنائه والاطلاع عليه وأن ننهل من أفكاره , ونعب من من ثقافته لأن اصحاب العقول النيرة مدينون لكل ما يملكون من معرفة وعلم وأدب وثقافة إلى الكتاب .‏

الانسان في هذه الحياة يعيش تجربة خاصة ولايعرف مدى القرابة بينه وبين الآخرين إلا إذا انتقلت العواطف والمشاعر إلى اللغة عندئذ من الممكن معرفة الفروق العاطفية والعقلية والعلمية التي تفصل بين انسان وانسان ومجتمع و آخر .‏

وإذا علمنا أن أعمارنا القصيرة المحدودة لا يمكن أن توصلنا إلى المعرفة الكاملة ادركنا أهمية الكتاب في حفظ التراث الانساني وفي الابقاء على تجارب الانسان عبر الحياة الطويلة .‏

من هنا كانت المطالعة ضرورة من ضرورات الانسان الراقي وفق أهم حاجاته التي لا غنى عنها في الحياة التي لا تعرف عجلتها , محطة تقف عندها ولوللحظات .‏

إنها زاد الانسان الذي يريد زيادة معارفه والاطلاع بشكل مدروس إلى أهم الثقافات المتعددة , ومن خلال ذلك أشير إلى ثلاثة انواع للمطالعة .‏

وهي :‏

1- مطالعة المستمع الذي يجد في المطالعة هروباً من عناء الحياة ويفرج بوساطتها عن ضيقه من أجل أن يريح نفسه وعواطفه فهو نوع من المتعة النفسية الخاصة به .‏

2- مطالعة من يريد التعلم ومعرفة ماهو جديد لذلك فهو ينكب على الكتب العلمية المختصة .‏

3- مطالعة المستفيد والذي يهدف إلى زيادة الابداع الفكري للفرد من أجل أن يلتمس فيها سبيلاً إلى الخلق والابداع .‏

إذاً المطالعة للعقل كالرياضة للجسد فلا تسلية أرخص منها ولا لذة تدوم أكثر منها فهي استعادة للسرور في الغربة وزينة للحديث وقدرة على تصريف الأعمال ومنها لاينضب ماؤه ولا يمنع عطاؤه .‏

إنها المطالعة التي تعمل على زيادة المعارف الأدبية لدى الفرد في المجتمع , وإن شئت أن تحكم على انسان ما وأن تراه في أي مرتبة من مراتب الحياة .‏

فانظر إليه في وقت فرغه فإذا كان يقضيه لاهياً عابثاً مترنحاً على اراجيح اللهو يدفن عمره فوق مقاعد الملاهي فاعلم أنك امام انسان ينحر ساعاته الثمينة بيديه , وإن رأيته متأملاً مطالعاً فاعلم أنك أمام انسان ادرك معنى الحياة وعرف كيفية استغلال وقته وفهم أن ساعات المطالعة من أجمل ساعات الحياة لاغناء الفكر بثمار عقول الآخرين وتجاربهم ..


ربيع العرفي