خطأ تاريخي شائع ينبغي تصحيحه
(محمد أمين عثمان)
في عالم التغذية لا تحمد الوجبات السريعة؛ لما لها من آثار سلبية على صحة الإنسان؛ فهي أحد الأسباب إن لم يكن السبب الرئيس لكثير من أمراض العصرِ السيئةِ الصيت، الواسعةِ الانتشار.وفي عالم الثقافة العامة تصطدم بثقافة الإنترنت، وهي شبيهة بالوجبات السريعة في كثير من وجوهها، فهي تقدم (سندويشات) ثقافية جاهزة، غير معقمة غالباً، ومع ذلك يثق بمعطياتها كثير من الناس ثقة عمياء، فلا يكلفون أنفسهم عناء البحث والتنقيب عن الحقيقة الضائعة – غالباً - بين ركام من الباطل.
فإذا كتبت في أحد محركات البحث: من خامس الخلفاء الراشدين؟ جاءتك الإجابة خلال ثوان في آلاف المواقع إن لم يكن في عشرات الآلاف منها: أنه عمر بن عبد العزيز، رحمه الله تعالى.
والسؤال: ما مدى صحة هذه الإجابة، وما حظها من الحقيقة؟ والإجابة عن هذا السؤال هو موضوع هذه المقالة.
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصف العصور التي تلي عصر الرسالة:
أخرج الإمام أحمد (بسند صحيح) عن حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ –رَضِيَ الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ. ثُمَّ سَكَتَ».
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدد مدة الخلافة الراشدة:
أخرج الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي وحسَّنه، والنسائي في الكبرى، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك، والطبراني في الكبير، وغيرهم عن سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ حَدَّثَنِي سَفِينَةُ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«الْخِلافَةُ فِي أُمَّتِي ثَلاثُونَ سَنَةً ثُمَّ مُلْكًا بَعْدَ ذَلِكَ».
وفي رواية أبي داود: «خِلافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلاثُونَ سَنَةً ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ - أَوْ مُلْكَهُ - مَنْ يَشَاءُ». وللحديث أطراف أخرى منها : «الخلافة بعدي في أمتي...».
قال الألباني: صحيح [صحيح الجامع الصغير وزيادته، رقم 3341]، وأفاض القول في بيان صحته في (سلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم: 459).
مُدَدَ حكم الخلفاء الراشدين:
1- أبو بكر الصديق، رضي الله عنه: في اليوم الذي توفي فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو يوم (الاثنين 12/ربيع الأول/11هـ) بويع لأبي بكر الصديق – رضي الله عنها – وتوفي مساء يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة 13هـ، أي: كانت مدة خلافته سنتان وثلاثة أشهر وعشرة أيام.
2- عمر الفاروق، رضي الله عنه: بدأت خلافته في صبيحة يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة 13هـ. وأصيب يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة 23هـ ودفن في أول محرم، أي: كانت مدة خلافته عشر سنين وستة أشهر وثمانية أيام.
3- عثمان ذو النورين، رضي الله عنه: بعد ثلاثة أيام من دفن عمر بويع لأمير المؤمنين عثمان بن عفان، أي في (4/ محرم/ 24هـ) ، واستمر في الخلافة إلى أن قتل (18/ذي الحجة/35هـ)، أي: كانت مدة خلافته إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهراً وخمسة عشر يوماً. أو ثمانية عشر يوماً.
4- علي أبو الحسنين، رضي الله عنه: بويع له يوم السبت (19/ ذي الحجة/ 35هـ) واستمر في الخلافة إلى أن قتل صبيحة ليلة (الجمعة/17/ رمضان/ 40هـ)، أي: كانت مدة خلافته أربع سنين وثمانية أشهر وتسعة وعشرون يوماً.
فمجموع فترة حكم الأربعة تساوي تسع وعشرون سنة وستة أشهر وخمسة أيام.
5- الحسن بن علي بن أبي طالب، السيِّد الشهيد، رضي الله عنه: بويع له بالخلافة يوم ضرب علي - رضي الله عنه – وهو يوم (الجمعة 17/رمضان/40هـ) وبقي فيها إلى أن سلم الأمر لمعاوية بن أبي سفيان في (ربيع الأول، سنة 41هـ)؛ كفّاً للفتنة بين المسلمين. وبخلافته اكتملت الثلاثون سنة. وكانت البيعة له علامة من علامات صدق النبوة. وسمي العام الذي نزل فيه عن الأمر لمعاوية بـ (عام الجماعة)، وكان ذلك أيضاً علامة أخرى من علامات صدق النبوة.
أخرج (البخاري) عن الْحَسَنُ الْبَصْرِيّ قال: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً، وَعَلَيْهِ أُخْرَى، وَيَقُولُ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ».
وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) وزاد في آخره، قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ: «فَلَمَّا وَلَّى مَا أُهْرِيقَ فِي سَبَبه مِحْجَمَة دَم». ذكره الحافظ ابن حجر في [الإصابة 2/11] وفي[فتح الباري، كتاب الفتن 13/70]
فخامس الخلفاء الراشدين هو الحسن بن علي بن أبي طالب، ريحانة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وليس الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز - كما هو شائع خطأً - والذي يأتي في المرتبة السادسة، رحم الله تعالى الجميع.
أقوال العلماء والمؤرخين في خلافة الحسن، رضي الله عنه:
اتفقت كلمة العلماء والمؤرخين على أنّ الخليفة الراشد الخامس هو أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب، ولم أرَ فيما اطلعت عليه – بعد البحث والتحري - من يخالف ذلك، ولتوكيد ذلك فيما يلي أقوالهم:
1- قال خليفة بن خياط (المتوفى 240هـ): «... ثم بويع الحسن بن علي بن أبي طالب».[تاريخ خليفة، ص 199]
2- وترجم له اليعقوبي (المتوفى 292هـ) بقوله: «خلافة الحسن بن علي».[تاريخ اليعقوبي 2/254]:
3- قال الإمام الطبري شيخ المؤرخين (المتوفى 310هـ): «وفي هذه السنة (يقصد سنة أربعين) بويع للحسن بن علي – عليه السلام – بالخلافة». ثم روى عن إسماعيل بن راشد قوله: «بايع الناس الحسن بن علي – عليه السلام – بالخلافة». [تاريخ الرسل والملوك 5/158، 159]
(4-5) وقال ابن عبد ابر (المتوفى 463هـ «وكان رضي الله عنه حليماً ورعاً فاضلاً، دعاه ورعه وفضله إلى أن ترك الملك والدنيا؛ رغبة فيما عند الله، وقال: (والله ما أحببتُ منذ علمتُ ما ينفعني وما يضرني أنَّ إليَّ أمرَ أمةِ محمد، صلى الله عليه وسلم، على أن يهراق في ذلك مِحجَمةُ دم). وكان من المبادرين إلى نصرة عثمان والذابِّين عنه. ولما قتل أبوه علي - رضي الله عنه - بايعه أكثر من أربعين ألفاً، كلهم قد كانوا بايعوا أباه علياً – قبل موته - على الموت، وكانوا أطوعَ للحسن، وأحبَّ له، فبقي نحواً من سبعة أشهر خليفة بالعراق وما وراءها من خراسان والحجاز واليمن وغير ذلك».[الاستيعاب في معرفة الأصحاب، الترجمة 572 ص 179] وانظر [أسد الغابة، لابن الأثير الجزري، المتوفى 630هـ. الترجمة 1165، 2/18]
6- قال ابن خَلِّكان (المتوفى 681هـ): «بويع للحسن يوم مات أبوه... وبايعَ معاويةَ لخمس بقين من شهر ربيع الأول... وكانت خلافته ستة أشهر وخمسة أيام... (وبعد أن ذكر حديث سفينة) قال: وكان آخر ولاية الحسن - رضي الله عنه - تمام ثلاثين سنة وثلاثة عشر يوماً من أول خلافة أبي بكر الصديق، رضي الله عنه». [وفيات الأعيان 2/65 – 66]
7- وترجم له الدواداري (المتوفى حوالي 737هـ) بقوله: «ذكر خلافة أحد شباب أهل الجنة الحسن بن علي صلوات الله عليه». [كنز الدرر وجامع الغرر، الجزء الثالث: الدر الثمين في أخبار سيد المرسلين والخلفاء الراشدين، ص 408]
8- قال الذهبي (المتوفى 748): «الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، الإمام، السيد، ريحانةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسِبطُه، وسيِّدُ شباب أهل الجنة، أبو محمد القرشي، الهاشمي، المدني، الشهيد... (عن الحسن البصري): أنه كان مبادراً إلى نصرة عثمان، كثيرَ الذب عنه، بقي في الخلافة بعد أبيه سبعة أشهر... (قال جرير بن حازم): قتل علي، فبايع أهل الكوفة الحسن، وأحبوه أشد من حب أبيه... (وقال الكلبي): بويع الحسن، فوليها سبعة أشهر وأحد عشر يوما، ثم سلم الأمر إلى معاوية». [سير أعلام النبلاء 3/245]
9- قال ابن كثير (المتوفى 774هـ):«والدليلُ على أنه أحد الخلفاء الراشدين الحديثُ... (وبعد أن أورد حديث سَفينة) قال: وإنما كملت الثلاثون بخلافة الحسن بن علي، فإنه نزل عن الخلافة لمعاوية في ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين، وذلك كمال ثلاثين سنة من موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه توفي في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، وهذا من أكبر دلائل النبوة». [البداية والنهاية 11/134]
10- وكتب ابن خلدون (المتوفى 808هـ) تحت عنوان: (بيعة الحسن وتسليمه الأمر لمعاوية): «ولما قتل علي - رضي الله عنه ‑ اجتمع أصحابه فبايعوا ابنه الحسن... (ثم قال): وهذا آخر الكلام في الخلافة الإسلامية، وما كان فيها من الردة والفتوحات والحروب، ثم الاتفاق والجماعة». [ديوان المبتدأ والخبر 2/648 – 650]
11- وترجم له القلقشندي (المتوفى 820هـ) بقوله: «الخامس من الخلفاء الراشدين الحسن بن علي، رضي الله عنهما». [مآثر الإنافة في معالم الخلافة 1/105]
12- ووصفه ابن حجر (المتوفى 852هـ) بقوله: أمير المؤمنين، قال:«الحسن بن علي بن أبي طالب ... سِبْط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وريحانته، أمير المؤمنين، أبو محمد...». [الإصابة 2/11]
13- وترجم له حسين بن محمد الديار بكري (المتوفى 966هـ) بقوله: «ذكر خلافة الحسن بن علي وخروجه إلى معاوية وتسليم الأمر إليه». [تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس 2/289]
14- قال ابن عماد الحنبلي الدمشقي (المتوفى 1089هـ ): «وبعد وفاة علي بويع لابنه الحسن رضي الله عنهما فتممت بأيامه (خلافة النبوة ثلاثون سنة) وظهر تصديق الخبر النبوي». [شذرات الذهب في أخبار من ذهب 1/227]
15- ووصفه خير الدين الزِّرِكْلي بقوله: «خامس الخلفاء الراشدين وآخرهم». [الأعلام 2/199]
رحم الله تعالى خامس الخلفاء الراشدين: الحسن بن علي صلوات الله عليه، السيد الشريف، ذو الشرفين، فهو أشرف الناس نسباً بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فأبوه علي بن أبي طالب عَلَم الأتقياء وزَيْن الخلفاء. وأمه فاطمة بنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - سيدة نساء العالمين في زمانها، البضعة النبوية، أم أبيها، وقرة عين سيد الأولين والآخرين محمد الأمين.
الخميس يوليو 25, 2019 12:37 am من طرف ياتي
» اين هم بنو تغلب اليوم؟
الخميس يوليو 25, 2019 12:29 am من طرف ياتي
» نحن بنو محلّم بن ذهل بن شيبان
الثلاثاء يونيو 25, 2019 5:21 pm من طرف Admin
» هل هذه الاشعار للهجتنا المحلمية؟
الثلاثاء يونيو 25, 2019 5:18 pm من طرف Admin
» كلام يجب أن يُقال!
الثلاثاء يونيو 25, 2019 5:16 pm من طرف Admin
» الفرع هو الذي يتبع الأصل
الثلاثاء يونيو 25, 2019 5:14 pm من طرف Admin
» الكوسوسية في طور عابدين
الثلاثاء يونيو 25, 2019 5:13 pm من طرف Admin
» باعربايا في المصادر التاريخية
الجمعة ديسمبر 28, 2018 6:06 pm من طرف Admin
» العرب بين التاريخ والجغرافية
الجمعة ديسمبر 28, 2018 6:03 pm من طرف Admin
» هل المحلمية قبيلة قائمة بحد ذاتها أم منطقة يُقال لكل من يسكنها محلّمي؟
الأحد نوفمبر 04, 2018 11:52 pm من طرف Admin
» بيت شعر للشيخ يونس بن يوسف الشيباني باللهجة المحلمية
الأحد نوفمبر 04, 2018 11:49 pm من طرف Admin
» السريانية كنيسة وليست قومية
الأحد نوفمبر 04, 2018 11:47 pm من طرف Admin
» وفاة شيخ قبيلة المحلمية رفعت صبري ابو قيس
الأحد نوفمبر 05, 2017 10:56 am من طرف ابن قيس المحلمي
» السلام عليكم
الإثنين أغسطس 21, 2017 11:03 pm من طرف narimen boudaya
» المجموعة الكاملة للفنان جان كارات
الأربعاء يونيو 28, 2017 1:23 am من طرف nadanadoz