مراكز العبادة ومراقد الصالحين
لقد وصلت الى منطقة طور عابدين امم وشعوب كثيرة ومختلفة أتتها من كل جهة وصوب ومنها ما استقر وبقي ومنها من ترك ورحل ولكنها في نهاية الأمر استطعت أن تترك اثاراً وبصمات مازالت اثارها قائمة الى اليوم وتمثلت في الكثير من المعابد والأديرة والمساجد والمراقد التي غزت هذه المنطقة وانتشرت في كل ارجاءها ولا يوجد هناك قرية أو بلدة أو مكان يكاد يخلو منها فمنها ما بني على أنقاض الاخر كماعبد الوثنية التي تحول أكثرها الى كنائس ومساجد ومدارس لتعليم الدين ولغته ومنها ما تحول الى مزارات مقدسة يؤمها الناس للتبرك والدعاء فيها ومن هذه الأماكن:
المعابد والأديرة:عندما وصل المبشرون النصارى الى هذه المناطق بنوا الكثير من الاديرة على ترابها ليتعبدوا فيها وينشروا الديانة المسيحية, فمنهم من ابتنى له في الفيافي وفي الأماكن النائية واحفرا الابار وحرث الحقول وعاش عيشة جماعية ويعاون بعضهم بيعضاً وورد في الشعر ما يفيد بانقطاع الرهبان في الأماكن الصعبة القصية مثل قلل الجبال وذراها حيث لا ياتيهم الناس,
فيعيشون في خلوة وانقطاع عن البشر وقال الشاعر:
لو عاينت رهبان دير في القلل **لا نحدر الرهبان يمشي وينزل
وخلال هذه المدة تم بناء الكثير من كراكز العبادة المسيحية كأديرة والكنائس والصوامع في مختلف انحاء المنطقة وانتشرت في مناطق واسعة من طور عابدين والتي مازال البعض قائماً الى اليبوم وشاهداً على ديانة أسلم الكثير من أهلها في الأمس البعيد واما من بقي منهم عليها رحل مهاجراً أو مهجراً ما عدا القليل ممن بقوا بقرب هذا التراث يحرسونه ويحمونه ويرون فيه أمجاد الماضي وقد ساهم كل المسيحيين الوافدين من رسل ومبشرين اغريق ومصريين وفرس ومقيمين من ابناء هذه المنطقة وغيرهم في بنائها وتشييدها وبفضل هؤلاء جميعاً انتشر الكثير منها هناك وقال عماد الدين خليل فكانت منطقة حصن كيفا تضم كنائس عديدة وفي قلعة مرا بين ماردين ودير الزعفران كانت تقبع كنائس كثيرة ظهر منها جماعة من رؤساء الكهنة وكان في جبل نصيبين عدداً كبيراً من الأديرة والصوامع وكان من أبرزها:
عمرالزعفران: دير قديم يقع شرق ماردين ويبعد عنها حوالي 6 كم ويعود تاريخ بنائه الى عصور ما قبل انتشار المسيحية حيث كان معبداً للاوثان وتحول بعد التنصير الى دير للنصارى في نهاية القرن الرابع الميلادي وبعد الاسلام تحول الى مكان للهو والتنزه والاستمتاع بنغمات الادعية والتراتيل الشجية التي كان يرددها الرهبان الذين بقوا فيه وقال عنه الشابشتي المتوفى عام 388 هجري :هذا العمر بنصيبين مما يلي الجانب الشرقي منها في الجبل والجبل مشرف على البلد وهو من الديارات الموصوفة والمواقع المذكورة بالطيب والحسن وحوله الشجر والكروم وفيه عيون تتدفق وهو كثير القلايات والرهبان وشرابه موصوف ويحمل الى نصيبين وغيرها ليس يخلو من أهل الفصف واللعب فهو وسائر وبقاعه
معمورة بمن يطرقها".
وبهذا الجبل ثلاثة ديارات اخر في صف واحد أحسن شيء منظراً وأجله موقعاً وهي:عمر الزعفران ومر أوجي ومر يوحنا(مار أوجين المصري ومار يوحنا الطائي) والعمر الكبير بالموضع أحد متنزهات الدنيا واسفل الجبل الهرماس ولمصعب الكاتب :في عمر الزعفران:
عطلت دراسة المغني*وعمرت عمر الزعفران
بكل فتى يميل الى الملاهي*واصوات المثالث والمثاني
ولكن بعد عودة المسيحية الى طور عابدين اعيد ترميم هذا الدير وتم اصلاحه وأصبح هذا مركزاً لبطاركة السريان من أوائل القرن الثاني عشر,
وبدل السريان اسمه مؤخرا الى دير مار حنانيا.
دير العمر:دير قديم جداً ويقع على بعد عشرون كيلو متر شرق مدياث قرب قرتمين(قرية ثمانين): وكان يسمى ايضاً دير قرتمين وهو أكبر اديرة طور عابدين وعمادها وبدلت الكنييسة السريانية مؤخراً اسمه الى دير مار كبرئي والعمر بضم العين في لغة الهرب الزيارة او المزار أو مكان العبادة ويقولون فلان عامر لربه أي عابد وهي لفظة دينية سريانية معربة استعملها النصارى العرب في لغتهم هي ومعها ألفاظ اخرى مثل بيعة ودير وغيرها.
دير ما اوجين:يقع دير مار اوجين في سفح جبل الأزل المطل على نصيبين بالقرب من قرية معرة وبني هذا الدير في القرن الرابع الميلادي على يد الراهب المصري مار اوجين وتلاميذه والدير مستو في واد بين جبيلن يشرف على البرية وعلى نصينين.
دير يوحنا الطائي:يقع شرقي دير ما اوجين ويبعد عنه 3 كم (يوحنا الطائي عربي من قبيلة طي) وقد دفن في ديره وشيد الرهبان فوق ضريحه كنيسة مقببة فخمة مؤلفة من سوق واحد بفصله عن الخورس حاجز.
دير مار ابراهيم الكشكري: دير قديم في جنوب شرقي مدياث,ولقد بناه الكشكري في القرن السادس الميلادي وقد قام هذا الدير الكبير حيث الضحى مدرسة رهبانية روحية كبيرة.
دير مار دودو السدوسي:يعق هذا الدير في بلدة اسفس او افسس باقرب نت ازخ وهو دير قديم فيه هامة القديس مار دودو التي جيء بها من قرية سدوس الذي ينتمي اليها مار دودو,ودفنت اولا في باسبرين ومن ثم تم نقلها الى بلدة اسفس حيث اعيد دفنها في دير قديم كان قد سمي باسمه هناك وهو دير مار دودو.
دير وجع الراس في قلث: بناه البطريرك مار ابا الأول(540-552)المهتدي من الزرادشتية(أصله من الفرس)
دير القائم في حبس ناس:أو دير مار لوزر كما اطلقت عليه الكنيسة السريانية وهو دير قديم قائم على رأس رابية في حبس ناس ويوجد تحته نعبد قديم بني منذ ما قبل التنصير.
كنيسة مار شمعون في حبس ناس:كنيسة قديمة بناها مار شمعون ابن المنذر في القرن السابع الميلادي.
كنيسة مار يعقوب الحبيس في صلح:وهي كنيسة قديمة بنيت في القرن الرابع الميلادي على يد راهب مصري ويدعى يعقوب المصري وقد سمي هذا الدير باسمه ولد هذا الراهب في مصر عام 330 ميلادي.
دير أشموني:او زيارة السبعة كما يسميها العرب هناك,والواقع في بلدة دير زبينا تحت سقف بناء قديم فيه قبر كبير وبقربه سبعة قبور صغيرة وقصة اشموني ذكرت في التوراة(سفر المكابيين)وقصة استشهادها مع ابنائها السبعة دون الاشارة الى اسمها وفي تاريخ مختصر الدول لابن العبري:ان اشموني كانت والدة الفتية المكابيين السبعة التي قتلت مع أبنائها واليعازر الشيخ في عهد الملك أنطيوخس الرابع الملقب ابيفانس(175-164 ق.م),وهو أو سلوقس الرابع في سلسلة الحكام والملوك السلوقيين والذين خلفوا الاسكندر الكبير وتقاسموا السيطرة على مناطق الشرق الاوسط وسار انطيوخس على درب أسلافه في فرض التيار الهلينستي الوثني على اليهود حيث أمات أولادها أمامها بعد تجرعهم صنوف العذاب وقد الزمهم أن يجحدوا دينهم الموسوي(اليهودية)فابوا فأحضرهم بين يديه وامر بقطع لسان الأول واطراف جميع أعضائه وسلخ جلدة رأس الثاني وكذلك أمات الباقين وبعدهم أمهم بانواع العذاب ودفنوا في فلسطين(وبعد مجيء السيد المسيح نقل أتباعه أجسامهم الى المنقة)وقد أشار الشاعر أبو نواس الى مقتلهم في البيت الرابع من قصيدته الشابشتي في كلامه بقوله:
باشموني وسبع قدمتهم *وما حادوا جميعاً عن طريق
المساجد والأضرحة:بعد أن دخل معظم أبناء طور عابدين في الاسلام بنوا المساجد هناك واهتموا بقبور شهداء المسلمين الذين استشهدوا هناك وحولوها الى مزارات يؤمونها للتبرك بها والدعاء بقربها لعل الله يستجيب لدعائهم اكراماً لهم وليش هناك بلدة أو مكان من قرى طور عابدين يكاد يخلو من هذه الأضرحة والمزارات وهذه أسماء بعضالمساجد القديمة والمزارات المهمة:
-مسجد ابن منذر في حبس ناس:بناه شمعون بن منذر في القرن السابع الميلادي أي المدة التي بنى فيها كنيسة مار شمعو ولكن للاسف قام أهالي حبس ناس في منتصف القرن الماضي بهدم هذا الصرح التاريخي الهام ولم يبق منه الا القليل واكثره تحت التراب وبنوا مسجداً اخر بالقرب منه ولكن خارج حرمه هذه المرة وقال الخوري عزيز كونيل:
أن مار شمعون بن منذر كان يبني الى جانب كل كنيسة مسجداً
-جامع المغارة في حلدح:وهو مسجد صغير يقع في بلدة حلدح بناه أحد أبنائها الكرام وهو عبد الرحمن بن محمد الحداد عام 321 هجري وهو مسجد قديم تسربت الرطوبة العالية وعششت في زواياه وبات ايلا للسقوط في أي لحظة وهو بحاجة الى ترميم.
-ضرحي الشيخ فتح الله في عين كهف:وهو مزار يحتضن جسد الشيخ فتح الله العين كافي الطاهر وهو محلمي من عين كاف وكان لهذا الشيخ الجليل الفضل الكبير في انقاذ ارواح الكثير من المسيحين أثناء فرمان عام 1914 من خلال فتوى أصدرها تحرم قتلهم أو الاعتداء على اموالهم واعراضهم التي تقيد بها المحلميون في منطقة المحلمية ماخلا بعض التجاوزات الفردية التي كان يقوم بها البعض منهم وكانت قليلة جدا وهذا ما يشهد به اهل المنطقة من مسلمين ومسيحيين.
-ضريح الشهيد دامس ابو الهول في دير زبينا:أو العبد الأسود كما يسميه المحلميون هناك وبجوار قبره يوجد مقبرة تبدو من خلال الشاهدات بانها لشهداء مسلمين على مايبدو انهم سقطوا مع الشهيد أبو الهول في المعركة نفسها وكان دامس مولى من موالي بني ظريف من ملوك كندة ويقال له دامس ويكنى بأبي الأهوال مشهور باسمه وكنيته وكان اسد كثير السواد بصاصاً كأنه النخلة السحوق اذا ركب العالي من الخيل تخط رجلاه بالأرض وأن ركب البعير العالي تقارب ركبتاه رجلي البعير وكان فارساً شجاعاً قوياً قد شاع ذكره ونما امره وعلا قدره في بلاد كندة وأودية حضر موت وجبال مهرة.
وكان قد فتج قلعة حلب وكان في فتوحات القدس وراس العين والشام والرها وحلوان وسروج ونصيبين وفي فتح قلعة حلب وابوابها قال الواقدي:"فلم يزل دامس دائراً بهم حول السور الى ان أتى مكان لم يجد به حساً واذا بحرسه قد ناموا وراء المكان ولم يروا في السور اقرب منه فقال دامس لأصحابه: أنتم ترون هذه القلعة وعلوها وتحصينها وليس فيها حيلة لشدة الحرس ويقظة القوم فما الذي ترون من الرأي أن نصنع بها وكيف الحيلة في الصعود اليها الى ان نحصل في وسطها فقالوا يا دامس أن الأمير أمرك علينا وأنت أدرى منا وأجرأ جناناً ونحن بين يديك فمهما رايت فيه الصلاح للمسلمين فلا نتأخر عنه والله ان قتل نفوسنا وذهاب أرواحنا اسهل علينا من يتأخر عنك ولا نموت الا تحن ظلال السيوف وفي طاعة الله ونصرة دين الاسلام فقال دامس:شكر الله فضلكم ورزقكم النصر على اعدائكم فان كانت هذه نيتكم فالتصقوا بنا الى هذا المكان قال :وكانوا ثمانية وعشرين رجلاً وثنان كانوا أرسلوهم الى الأمير يعلمانه بان يأتي اليهم في الصبح.
فقال لهم دامس:أفيكم من يقدر على الصعود على هذه القلعة فقلنا له:يا أبا العول وكيف لنا ان نرتقي اليها وعلى أي شي نصل الى أعلاه بغير سلم فقال:على رسلكم ثم انه اختار منا سبعة رجال كالأسود الضواري لوكلفوا حمل ذلك البرج على مناكبهم لما عظم ذلك عليهم ثم جلس قرافيصه وقال لأحد السبعة:اجلس على منكبي وارم بحيلك الى الجدار واجلس كما انا جالس ففعل الرجل ما امر به وامر اخر ان يفعل ويصعد على منكبي الاخر وان يرمي بقوته على الجدار قال ففعل ثم انه لم يزل يصعد واحد بعد واحد الى ان صعد الثامن بقوته على الجدار وهم متمسكون به فعند ذلك أمر الأعلى ان يقوم قائماً وان يطرح حيله على الجدار فقام الاول وقام الثاني ثم الثالث ثم قام الرابع والخامس والسادس وكل واحد منه قد طرح نفسه على الجدار ثم قام دامس اخرهم فاذا الأعلى قد وصل الى شرافة السور وتعلق بها فاستوى على السور ونظر الى حارس ذلك المكان فاخذه بيده ورجله ورماه فلما وصل الى الأرض قطعوه واخفوا جسده ووجد من اصحابة اثنين سكارى وهم رقود فذبحهم بخنجره ورمى بهم ثم أرخى عمامته لصاحبه ونشله الية فاذا هو معه على السور وكان دامس قد أعطاه حبلا فبقوا ينشلون به بعضهم الى أن تكاملواعلى السور واصعدوا من بقي معهم على الأرض وكان اخر من صعد أبو الهول فقال لهم:مكانكم حتى أقفوا الخبر واكشف لكم الأثر ثم انه اتى الى دار البطريق وهو وسط القلعة واذا عنده سادات البطارقة وأكابرهم وهم جلوس وبين أيديهم بواطى الخمر ويوقنا جاس في وسطهم على بساط من الديباج منسوج من الذهب وعليه بدلة من لؤلؤ ومعصب بعصابة من الجوهر والقوم يشربون والمسك والبخور يفوح عندهم فعاد دامس الى اصحابة وقال أعلموا أن القوم خلق كثير وأن هجمنا عليهم فلا نأمن الغلبة على كثرتهم ولكن ندعهم فيما هم فيه فاذا ظفرنا بهم وأذلهم الله لنا وعلى ايدينا فهو الذي نريد وان كان غير ذلك فيكون الصباح قد قرب ولا شك أن الرجلين منأصحابنا قد أعلما خالد بن الوليد فياتينا فقالوا:ما نخالف لك أمراً ونحن قد صرنا في قلعة هؤلاء الأعداء وليس ينجينا الا صدق جهادنا والعزم والشدة من قوتنا فقال لهم:مكانكم فلعل أن يفتح الباب قال:وكان للقلعة بابان وبينهما دهليز والبوابون داخلهما والرجال تنام عندهم بالنوبة فلما وصل دامس الى الباب وجده مغلقاً واذا بالقوم رقود من السكر فعاجلهم بالذبح ثم فيح البابين وتركهما مردويدن ورجع الى أصحابه وقد قرب الفجر فقال لهم :ابشروا فاني قد فتحت البابين وقتلت من كان وراءهما فدونك والباب فاسبقوهم اليه وخذوه عليم وهكذا فتح أبو الهول واصحابه قلعة حلب.
-النويرة:مغارة قديمة في كفر حوار يذهب الناس اليها للتداوي بقطرات الماء التي تتجميع على سقفها المتدني وفوق جدرانها المهترئة ولديهم اعتقاد بأن هذه القطرات تشفيهم من بعض الامراض.
-زيارة شيخ عرتي:وهو قبر الشيخ الجليل سالم الانصاري وبقرب قرية الزيارة سميت نسبة اليه لكثرة الزوار الذين ياتون للتبرك بهذا المقام واقامة الولائم هناك وبقرية الكنكريس القريبة من الزيارة قبر اخر يقال انه لأخيه الشيخ فاضل الانصاري
منقول من كتاب عرب طور عابدين
للكاتب الاستاذ عبد القادر عثمان
لقد وصلت الى منطقة طور عابدين امم وشعوب كثيرة ومختلفة أتتها من كل جهة وصوب ومنها ما استقر وبقي ومنها من ترك ورحل ولكنها في نهاية الأمر استطعت أن تترك اثاراً وبصمات مازالت اثارها قائمة الى اليوم وتمثلت في الكثير من المعابد والأديرة والمساجد والمراقد التي غزت هذه المنطقة وانتشرت في كل ارجاءها ولا يوجد هناك قرية أو بلدة أو مكان يكاد يخلو منها فمنها ما بني على أنقاض الاخر كماعبد الوثنية التي تحول أكثرها الى كنائس ومساجد ومدارس لتعليم الدين ولغته ومنها ما تحول الى مزارات مقدسة يؤمها الناس للتبرك والدعاء فيها ومن هذه الأماكن:
المعابد والأديرة:عندما وصل المبشرون النصارى الى هذه المناطق بنوا الكثير من الاديرة على ترابها ليتعبدوا فيها وينشروا الديانة المسيحية, فمنهم من ابتنى له في الفيافي وفي الأماكن النائية واحفرا الابار وحرث الحقول وعاش عيشة جماعية ويعاون بعضهم بيعضاً وورد في الشعر ما يفيد بانقطاع الرهبان في الأماكن الصعبة القصية مثل قلل الجبال وذراها حيث لا ياتيهم الناس,
فيعيشون في خلوة وانقطاع عن البشر وقال الشاعر:
لو عاينت رهبان دير في القلل **لا نحدر الرهبان يمشي وينزل
وخلال هذه المدة تم بناء الكثير من كراكز العبادة المسيحية كأديرة والكنائس والصوامع في مختلف انحاء المنطقة وانتشرت في مناطق واسعة من طور عابدين والتي مازال البعض قائماً الى اليبوم وشاهداً على ديانة أسلم الكثير من أهلها في الأمس البعيد واما من بقي منهم عليها رحل مهاجراً أو مهجراً ما عدا القليل ممن بقوا بقرب هذا التراث يحرسونه ويحمونه ويرون فيه أمجاد الماضي وقد ساهم كل المسيحيين الوافدين من رسل ومبشرين اغريق ومصريين وفرس ومقيمين من ابناء هذه المنطقة وغيرهم في بنائها وتشييدها وبفضل هؤلاء جميعاً انتشر الكثير منها هناك وقال عماد الدين خليل فكانت منطقة حصن كيفا تضم كنائس عديدة وفي قلعة مرا بين ماردين ودير الزعفران كانت تقبع كنائس كثيرة ظهر منها جماعة من رؤساء الكهنة وكان في جبل نصيبين عدداً كبيراً من الأديرة والصوامع وكان من أبرزها:
عمرالزعفران: دير قديم يقع شرق ماردين ويبعد عنها حوالي 6 كم ويعود تاريخ بنائه الى عصور ما قبل انتشار المسيحية حيث كان معبداً للاوثان وتحول بعد التنصير الى دير للنصارى في نهاية القرن الرابع الميلادي وبعد الاسلام تحول الى مكان للهو والتنزه والاستمتاع بنغمات الادعية والتراتيل الشجية التي كان يرددها الرهبان الذين بقوا فيه وقال عنه الشابشتي المتوفى عام 388 هجري :هذا العمر بنصيبين مما يلي الجانب الشرقي منها في الجبل والجبل مشرف على البلد وهو من الديارات الموصوفة والمواقع المذكورة بالطيب والحسن وحوله الشجر والكروم وفيه عيون تتدفق وهو كثير القلايات والرهبان وشرابه موصوف ويحمل الى نصيبين وغيرها ليس يخلو من أهل الفصف واللعب فهو وسائر وبقاعه
معمورة بمن يطرقها".
وبهذا الجبل ثلاثة ديارات اخر في صف واحد أحسن شيء منظراً وأجله موقعاً وهي:عمر الزعفران ومر أوجي ومر يوحنا(مار أوجين المصري ومار يوحنا الطائي) والعمر الكبير بالموضع أحد متنزهات الدنيا واسفل الجبل الهرماس ولمصعب الكاتب :في عمر الزعفران:
عطلت دراسة المغني*وعمرت عمر الزعفران
بكل فتى يميل الى الملاهي*واصوات المثالث والمثاني
ولكن بعد عودة المسيحية الى طور عابدين اعيد ترميم هذا الدير وتم اصلاحه وأصبح هذا مركزاً لبطاركة السريان من أوائل القرن الثاني عشر,
وبدل السريان اسمه مؤخرا الى دير مار حنانيا.
دير العمر:دير قديم جداً ويقع على بعد عشرون كيلو متر شرق مدياث قرب قرتمين(قرية ثمانين): وكان يسمى ايضاً دير قرتمين وهو أكبر اديرة طور عابدين وعمادها وبدلت الكنييسة السريانية مؤخراً اسمه الى دير مار كبرئي والعمر بضم العين في لغة الهرب الزيارة او المزار أو مكان العبادة ويقولون فلان عامر لربه أي عابد وهي لفظة دينية سريانية معربة استعملها النصارى العرب في لغتهم هي ومعها ألفاظ اخرى مثل بيعة ودير وغيرها.
دير ما اوجين:يقع دير مار اوجين في سفح جبل الأزل المطل على نصيبين بالقرب من قرية معرة وبني هذا الدير في القرن الرابع الميلادي على يد الراهب المصري مار اوجين وتلاميذه والدير مستو في واد بين جبيلن يشرف على البرية وعلى نصينين.
دير يوحنا الطائي:يقع شرقي دير ما اوجين ويبعد عنه 3 كم (يوحنا الطائي عربي من قبيلة طي) وقد دفن في ديره وشيد الرهبان فوق ضريحه كنيسة مقببة فخمة مؤلفة من سوق واحد بفصله عن الخورس حاجز.
دير مار ابراهيم الكشكري: دير قديم في جنوب شرقي مدياث,ولقد بناه الكشكري في القرن السادس الميلادي وقد قام هذا الدير الكبير حيث الضحى مدرسة رهبانية روحية كبيرة.
دير مار دودو السدوسي:يعق هذا الدير في بلدة اسفس او افسس باقرب نت ازخ وهو دير قديم فيه هامة القديس مار دودو التي جيء بها من قرية سدوس الذي ينتمي اليها مار دودو,ودفنت اولا في باسبرين ومن ثم تم نقلها الى بلدة اسفس حيث اعيد دفنها في دير قديم كان قد سمي باسمه هناك وهو دير مار دودو.
دير وجع الراس في قلث: بناه البطريرك مار ابا الأول(540-552)المهتدي من الزرادشتية(أصله من الفرس)
دير القائم في حبس ناس:أو دير مار لوزر كما اطلقت عليه الكنيسة السريانية وهو دير قديم قائم على رأس رابية في حبس ناس ويوجد تحته نعبد قديم بني منذ ما قبل التنصير.
كنيسة مار شمعون في حبس ناس:كنيسة قديمة بناها مار شمعون ابن المنذر في القرن السابع الميلادي.
كنيسة مار يعقوب الحبيس في صلح:وهي كنيسة قديمة بنيت في القرن الرابع الميلادي على يد راهب مصري ويدعى يعقوب المصري وقد سمي هذا الدير باسمه ولد هذا الراهب في مصر عام 330 ميلادي.
دير أشموني:او زيارة السبعة كما يسميها العرب هناك,والواقع في بلدة دير زبينا تحت سقف بناء قديم فيه قبر كبير وبقربه سبعة قبور صغيرة وقصة اشموني ذكرت في التوراة(سفر المكابيين)وقصة استشهادها مع ابنائها السبعة دون الاشارة الى اسمها وفي تاريخ مختصر الدول لابن العبري:ان اشموني كانت والدة الفتية المكابيين السبعة التي قتلت مع أبنائها واليعازر الشيخ في عهد الملك أنطيوخس الرابع الملقب ابيفانس(175-164 ق.م),وهو أو سلوقس الرابع في سلسلة الحكام والملوك السلوقيين والذين خلفوا الاسكندر الكبير وتقاسموا السيطرة على مناطق الشرق الاوسط وسار انطيوخس على درب أسلافه في فرض التيار الهلينستي الوثني على اليهود حيث أمات أولادها أمامها بعد تجرعهم صنوف العذاب وقد الزمهم أن يجحدوا دينهم الموسوي(اليهودية)فابوا فأحضرهم بين يديه وامر بقطع لسان الأول واطراف جميع أعضائه وسلخ جلدة رأس الثاني وكذلك أمات الباقين وبعدهم أمهم بانواع العذاب ودفنوا في فلسطين(وبعد مجيء السيد المسيح نقل أتباعه أجسامهم الى المنقة)وقد أشار الشاعر أبو نواس الى مقتلهم في البيت الرابع من قصيدته الشابشتي في كلامه بقوله:
باشموني وسبع قدمتهم *وما حادوا جميعاً عن طريق
المساجد والأضرحة:بعد أن دخل معظم أبناء طور عابدين في الاسلام بنوا المساجد هناك واهتموا بقبور شهداء المسلمين الذين استشهدوا هناك وحولوها الى مزارات يؤمونها للتبرك بها والدعاء بقربها لعل الله يستجيب لدعائهم اكراماً لهم وليش هناك بلدة أو مكان من قرى طور عابدين يكاد يخلو من هذه الأضرحة والمزارات وهذه أسماء بعضالمساجد القديمة والمزارات المهمة:
-مسجد ابن منذر في حبس ناس:بناه شمعون بن منذر في القرن السابع الميلادي أي المدة التي بنى فيها كنيسة مار شمعو ولكن للاسف قام أهالي حبس ناس في منتصف القرن الماضي بهدم هذا الصرح التاريخي الهام ولم يبق منه الا القليل واكثره تحت التراب وبنوا مسجداً اخر بالقرب منه ولكن خارج حرمه هذه المرة وقال الخوري عزيز كونيل:
أن مار شمعون بن منذر كان يبني الى جانب كل كنيسة مسجداً
-جامع المغارة في حلدح:وهو مسجد صغير يقع في بلدة حلدح بناه أحد أبنائها الكرام وهو عبد الرحمن بن محمد الحداد عام 321 هجري وهو مسجد قديم تسربت الرطوبة العالية وعششت في زواياه وبات ايلا للسقوط في أي لحظة وهو بحاجة الى ترميم.
-ضرحي الشيخ فتح الله في عين كهف:وهو مزار يحتضن جسد الشيخ فتح الله العين كافي الطاهر وهو محلمي من عين كاف وكان لهذا الشيخ الجليل الفضل الكبير في انقاذ ارواح الكثير من المسيحين أثناء فرمان عام 1914 من خلال فتوى أصدرها تحرم قتلهم أو الاعتداء على اموالهم واعراضهم التي تقيد بها المحلميون في منطقة المحلمية ماخلا بعض التجاوزات الفردية التي كان يقوم بها البعض منهم وكانت قليلة جدا وهذا ما يشهد به اهل المنطقة من مسلمين ومسيحيين.
-ضريح الشهيد دامس ابو الهول في دير زبينا:أو العبد الأسود كما يسميه المحلميون هناك وبجوار قبره يوجد مقبرة تبدو من خلال الشاهدات بانها لشهداء مسلمين على مايبدو انهم سقطوا مع الشهيد أبو الهول في المعركة نفسها وكان دامس مولى من موالي بني ظريف من ملوك كندة ويقال له دامس ويكنى بأبي الأهوال مشهور باسمه وكنيته وكان اسد كثير السواد بصاصاً كأنه النخلة السحوق اذا ركب العالي من الخيل تخط رجلاه بالأرض وأن ركب البعير العالي تقارب ركبتاه رجلي البعير وكان فارساً شجاعاً قوياً قد شاع ذكره ونما امره وعلا قدره في بلاد كندة وأودية حضر موت وجبال مهرة.
وكان قد فتج قلعة حلب وكان في فتوحات القدس وراس العين والشام والرها وحلوان وسروج ونصيبين وفي فتح قلعة حلب وابوابها قال الواقدي:"فلم يزل دامس دائراً بهم حول السور الى ان أتى مكان لم يجد به حساً واذا بحرسه قد ناموا وراء المكان ولم يروا في السور اقرب منه فقال دامس لأصحابه: أنتم ترون هذه القلعة وعلوها وتحصينها وليس فيها حيلة لشدة الحرس ويقظة القوم فما الذي ترون من الرأي أن نصنع بها وكيف الحيلة في الصعود اليها الى ان نحصل في وسطها فقالوا يا دامس أن الأمير أمرك علينا وأنت أدرى منا وأجرأ جناناً ونحن بين يديك فمهما رايت فيه الصلاح للمسلمين فلا نتأخر عنه والله ان قتل نفوسنا وذهاب أرواحنا اسهل علينا من يتأخر عنك ولا نموت الا تحن ظلال السيوف وفي طاعة الله ونصرة دين الاسلام فقال دامس:شكر الله فضلكم ورزقكم النصر على اعدائكم فان كانت هذه نيتكم فالتصقوا بنا الى هذا المكان قال :وكانوا ثمانية وعشرين رجلاً وثنان كانوا أرسلوهم الى الأمير يعلمانه بان يأتي اليهم في الصبح.
فقال لهم دامس:أفيكم من يقدر على الصعود على هذه القلعة فقلنا له:يا أبا العول وكيف لنا ان نرتقي اليها وعلى أي شي نصل الى أعلاه بغير سلم فقال:على رسلكم ثم انه اختار منا سبعة رجال كالأسود الضواري لوكلفوا حمل ذلك البرج على مناكبهم لما عظم ذلك عليهم ثم جلس قرافيصه وقال لأحد السبعة:اجلس على منكبي وارم بحيلك الى الجدار واجلس كما انا جالس ففعل الرجل ما امر به وامر اخر ان يفعل ويصعد على منكبي الاخر وان يرمي بقوته على الجدار قال ففعل ثم انه لم يزل يصعد واحد بعد واحد الى ان صعد الثامن بقوته على الجدار وهم متمسكون به فعند ذلك أمر الأعلى ان يقوم قائماً وان يطرح حيله على الجدار فقام الاول وقام الثاني ثم الثالث ثم قام الرابع والخامس والسادس وكل واحد منه قد طرح نفسه على الجدار ثم قام دامس اخرهم فاذا الأعلى قد وصل الى شرافة السور وتعلق بها فاستوى على السور ونظر الى حارس ذلك المكان فاخذه بيده ورجله ورماه فلما وصل الى الأرض قطعوه واخفوا جسده ووجد من اصحابة اثنين سكارى وهم رقود فذبحهم بخنجره ورمى بهم ثم أرخى عمامته لصاحبه ونشله الية فاذا هو معه على السور وكان دامس قد أعطاه حبلا فبقوا ينشلون به بعضهم الى أن تكاملواعلى السور واصعدوا من بقي معهم على الأرض وكان اخر من صعد أبو الهول فقال لهم:مكانكم حتى أقفوا الخبر واكشف لكم الأثر ثم انه اتى الى دار البطريق وهو وسط القلعة واذا عنده سادات البطارقة وأكابرهم وهم جلوس وبين أيديهم بواطى الخمر ويوقنا جاس في وسطهم على بساط من الديباج منسوج من الذهب وعليه بدلة من لؤلؤ ومعصب بعصابة من الجوهر والقوم يشربون والمسك والبخور يفوح عندهم فعاد دامس الى اصحابة وقال أعلموا أن القوم خلق كثير وأن هجمنا عليهم فلا نأمن الغلبة على كثرتهم ولكن ندعهم فيما هم فيه فاذا ظفرنا بهم وأذلهم الله لنا وعلى ايدينا فهو الذي نريد وان كان غير ذلك فيكون الصباح قد قرب ولا شك أن الرجلين منأصحابنا قد أعلما خالد بن الوليد فياتينا فقالوا:ما نخالف لك أمراً ونحن قد صرنا في قلعة هؤلاء الأعداء وليس ينجينا الا صدق جهادنا والعزم والشدة من قوتنا فقال لهم:مكانكم فلعل أن يفتح الباب قال:وكان للقلعة بابان وبينهما دهليز والبوابون داخلهما والرجال تنام عندهم بالنوبة فلما وصل دامس الى الباب وجده مغلقاً واذا بالقوم رقود من السكر فعاجلهم بالذبح ثم فيح البابين وتركهما مردويدن ورجع الى أصحابه وقد قرب الفجر فقال لهم :ابشروا فاني قد فتحت البابين وقتلت من كان وراءهما فدونك والباب فاسبقوهم اليه وخذوه عليم وهكذا فتح أبو الهول واصحابه قلعة حلب.
-النويرة:مغارة قديمة في كفر حوار يذهب الناس اليها للتداوي بقطرات الماء التي تتجميع على سقفها المتدني وفوق جدرانها المهترئة ولديهم اعتقاد بأن هذه القطرات تشفيهم من بعض الامراض.
-زيارة شيخ عرتي:وهو قبر الشيخ الجليل سالم الانصاري وبقرب قرية الزيارة سميت نسبة اليه لكثرة الزوار الذين ياتون للتبرك بهذا المقام واقامة الولائم هناك وبقرية الكنكريس القريبة من الزيارة قبر اخر يقال انه لأخيه الشيخ فاضل الانصاري
منقول من كتاب عرب طور عابدين
للكاتب الاستاذ عبد القادر عثمان
» اين هم بنو تغلب اليوم؟
» نحن بنو محلّم بن ذهل بن شيبان
» هل هذه الاشعار للهجتنا المحلمية؟
» كلام يجب أن يُقال!
» الفرع هو الذي يتبع الأصل
» الكوسوسية في طور عابدين
» باعربايا في المصادر التاريخية
» العرب بين التاريخ والجغرافية
» هل المحلمية قبيلة قائمة بحد ذاتها أم منطقة يُقال لكل من يسكنها محلّمي؟
» بيت شعر للشيخ يونس بن يوسف الشيباني باللهجة المحلمية
» السريانية كنيسة وليست قومية
» وفاة شيخ قبيلة المحلمية رفعت صبري ابو قيس
» السلام عليكم
» المجموعة الكاملة للفنان جان كارات